في عصر يشهد ثورة رقمية غير مسبوقة، يطل الذكاء الاصطناعي في سوق العمل (AI) كثائر في عالم العمل. البعض يرى أنه نقطة تحول تفضي إلى فقدان الوظائف، بينما يراه آخرون فرصة لإعادة رسم سوق العمل. فهل الذكاء الاصطناعي مصدر قلق أم بداية لعصر جديد من العمالة المدعومة بالتقنيات؟
- أتمتة الوظائف التقليدية
من أبرز الظواهر الناتجة عن الذكاء الاصطناعي في سوق العمل هو استهداف الوظائف الروتينية والمتكررة: إدخال بيانات، خطوط إنتاج صناعية، خدمة عملاء، وغيرها. مثلاً، قد تتولّى الأنظمة الذكية المحادثة مع المستخدمين بشكل آلي، بينما يقوم العامل البشري بتوجيه هذه الأنظمة، وتطوير المنصة والأتمتة نفسها هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي في سوق العمل لا يُلغي الوظائف بقدر ما يُعيد تعريفها، مع توسّع في مجالات جديدة تحتاج إلى مهارات أكثر تقدماً.
- خلق وظائف جديدة ومهارات مطلوبة
بالرغم من تقلّص بعض الوظائف، نشهد في المقابل ظهور مجالات ترتبط مباشرة بتطوير الذكاء الاصطناعي مثل:
- مهندسو الذكاء الاصطناعي.
- محلّلو البيانات الضخمة.
- خبراء الأمن السيبراني.
مهارات التفكير النقدي، التنظيم، والإبداع ستظل مطلوبة بقوّة، فالخوارزميات تحتاج لإشراف بشري يضبط الأخطاء ويقدّر السياق العام. - تحوّل هيكلة سوق العمل
التغير يشمل ديناميكية المؤسسات نفسها: التحول نحو التصنيع الذكي، التخصيص في التعليم والصحة، وتبني ثقافة التكيّف المستمر وتحديث المهارات وتظهر تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي أنّ ما يقارب 43% من الشركات تخطط لتقليص القوى العاملة بسبب الأتمتة، لكن 34% تعتزم التوسع في توظيف مهارات جديدة.
- الفجوة التكنولوجية والتغير الطبقي
تحذّر تقارير خبراء مثل دارون عجم-أوغلو من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في سوق العمل دون استراتيجيات عادلة قد يعمق الفجوة الاجتماعية والاقتصادية، حيث تستفيد بقوة من يستطيعون التأقلم وتُترك فئات أخرى دون حماية ولذلك، تهدف السياسات المستقبلية إلى دعم المهارات البشرية بجانب مواكبة التكنولوجيا.
- كيف نستعد لهذا المستقبل؟
لتجنّب الآثار السلبية الناجمة عن الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، يجب التركيز على:
- التعلّم مدى الحياة: تطوير المهارات التقنية والذهنية، وذلك لتكون على أتم الاستعداد لتطبيق التقنية في الوظائف والأعمال الخاصة بك.
- تعزيز المهارات البشرية: التفكير النقدي، الإبداع، والذكاء العاطفي، جميعها من المهارات البشرية التي تتطلب منك الآن إلى تعزيزها بشكل ملاءم للأعمال الخاصة بك.
- دور الحكومات والمؤسسات: تحديث المناهج وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتصميم برامج تدريبية مستمرة وذلك لخلق جيل قادر على تطويع التقنية في الأعمال المختلفة.
الذكاء الاصطناعي والوظائف في الدول النامية
في الدول النامية مثل الصومال، قد لا يبدو تأثير الذكاء الاصطناعي واضحًا بعد، لكن الخطر قائم على المدى الطويل. عدم المساواة في الوصول إلى البنية التحتية الرقمية، والتعليم المتخصص، والفرص التكنولوجية، قد يجعل الفجوة الرقمية تتسع، مما يُصعّب على شباب هذه الدول اللحاق بركب الثورة الصناعية الرابعة. وبالتالي، فإن أي استراتيجية وطنية لسوق العمل في الصومال مثلًا يجب أن تأخذ في الاعتبار هذا التحوّل العالمي المتسارع.
التحديات الأخلاقية والحقوق العمالية للذكاء الاصطناعي في سوق العمل
مع صعود الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، تُثار تساؤلات كثيرة حول الخصوصية، المراقبة، وتقييم الأداء الآلي للموظفين. تخشى العديد من النقابات العمالية حول العالم أن يتم استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي لفرض ضغوط غير إنسانية، أو تقييم غير عادل للعاملين بناءً على خوارزميات قد تكون متحيّزة. لذلك، فإن تبنّي هذه التقنيات يجب أن يكون مصحوبًا بإطار قانوني وأخلاقي يحمي الحقوق الإنسانية للعاملين في مختلف القطاعات.
مستقبل مشترك بين الإنسان والآلة
الأمر لا يتعلق بصراع بين الإنسان والآلة، بل بتكامل ضروري لخلق مستقبل إنتاجي مستدام. الذكاء الاصطناعي قادر على دعم الإنسان في اتخاذ قرارات أسرع، تحليل بيانات أعمق، وتجاوز المهام المتكررة، لكنه ما زال غير قادر على فهم المشاعر، الإبداع، والرؤية السياقية المعقدة التي يتمتع بها البشر. لذا، فإن الاستثمار في “الذكاء الإنساني” يجب أن يسير بالتوازي مع تطور الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، لتحقيق توازن عادل في سوق العمل لا يُقصي أحدًا.
تعرف المزيد على: عمدة مقديشو يدشّن امتحانات الشهادة الإعدادية في بنادر: رسالة دعم للطلبة وتعزيز للتعليم
الذكاء الاصطناعي ليس عدوّ الوظائف، بل أداة قادرة على إعادة رسمها، بشرط أن نواكب التغيير بالتطوير والتدريب. فالتوازن بين تقنيات الذكاء والتدخل البشري هو الضمان لبقاء العمل ليُعاد تشكيله وليس استبداله.