تشهد العلاقات المصرية الصومالية حالة من الفتور غير المعلن تزامنًا مع تطورات سياسية وأمنية متسارعة في منطقة القرن الإفريقي. ويبدو أن التحول في السياسة الخارجية الصومالية نحو إثيوبيا قد ألقى بظلاله على التحالف المصري الصومالي، الذي كان يُعوَّل عليه لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. هذه التحولات تثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين، في ظل ما يبدو أنه تبدل في خارطة التحالفات الإقليمية.
تعثر الاتفاق العسكري وتأثيره على العلاقات المصرية الصومالية
في أغسطس 2023، وقع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود اتفاقية تعاون عسكري مع القاهرة، مثّلت آنذاك ركيزة لـ”تحالف استراتيجي” ناشئ بين البلدين. تضمّن الاتفاق تفعيل رحلات الطيران المباشر وافتتاح السفارة المصرية في مقديشو، إلى جانب توقيع بروتوكول تعاون عسكري.
إلا أن الفتور في العلاقات المصرية الصومالية بدأ يتضح مع تعثر تنفيذ بنود هذه الاتفاقية، وسط تقارير صومالية تشير إلى توقف الدعم العسكري المصري. وفسّرت مصادر إعلامية ذلك على أنه تعبير عن استياء مصري من تقارب القيادة الصومالية مع أديس أبابا، وهو ما اعتبرته صحيفة “الصومال الآن” إشارة واضحة على غضب القاهرة من التوجهات الجديدة لمقديشو.
خلفية التوتر: مذكرة تفاهم تثير الانقسام
في العام 2023، وقّعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي، تمنحها حق إنشاء قاعدة عسكرية وتأجير ميناء بربرة لمدة خمسين عامًا. اعتبرت الحكومة الصومالية هذه الخطوة انتهاكًا لسيادتها ورفضتها بشدة، وحظيت بدعم مصر والجامعة العربية.
لكنّ الفتور في العلاقات المصرية الصومالية تفاقم لاحقًا مع تغير الموقف الصومالي تجاه إثيوبيا، رغم التوترات السابقة. ففي سبتمبر من نفس العام، وقعت مقديشو وأديس أبابا اتفاقًا جديدًا برعاية تركية لحل الأزمة، حافظ على وحدة الأراضي الصومالية، وفتح المجال أمام إثيوبيا للحصول على منفذ بحري، وهو ما أزعج القاهرة.
شهد فبراير 2025 زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى مقديشو لأول مرة منذ توقيع مذكرة التفاهم المثيرة للجدل. وخلال الزيارة، أعلن الطرفان نيتهما تعزيز التعاون الأمني والتجاري والدبلوماسي، مؤكدين أن الحكومة الفيدرالية الصومالية هي الإطار الرسمي للعلاقات.
تُوّج هذا التقارب في العلاقات المصرية الصومالية بتوقيع اتفاق عسكري يسمح لإثيوبيا باستخدام جزء من الساحل الصومالي، ما اعتبرته مصر تهديدًا مباشرًا لمصالحها الاستراتيجية، خصوصًا في ظل تصاعد الخلافات بشأن ملف سد النهضة، إذ ترى القاهرة أن النفوذ البحري الإثيوبي قد يمنح أديس أبابا قوة تفاوضية إضافية في هذا الملف الحساس.
رغم الفتور في العلاقات المصرية الصومالية ، لم تنسحب القاهرة من الساحة الصومالية. فقد أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي تمديد عمل القوات المصرية في الصومال ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية، مشيرًا إلى تنسيق مع أوغندا بشأن مهمة أممية جديدة تؤكد استمرار الحضور المصري هناك.
يشير ذلك إلى أن القاهرة لا تزال تعتبر الصومال ساحة استراتيجية مهمة، وتسعى للحفاظ على نفوذها الإقليمي، حتى في ظل ما وصفه مراقبون بأنه “برود دبلوماسي” متبادل.
تقييم استراتيجي: تغير التحالفات وتحديات النفوذ
يؤكد المحلل السياسي أحمد محمد فال أن إثيوبيا نجحت في تفكيك التحالف الثلاثي بين مصر وإريتريا والصومال، وهو ما شكل تحولًا إقليميًا بارزًا. ويُتوقع أن تتحرك القاهرة دبلوماسيًا في الفترة المقبلة لاستعادة توازنها في القرن الإفريقي، في مواجهة تمدد النفوذ الإثيوبي، بينما تواصل أديس أبابا تعزيز حضورها في منطقة تشهد تنافسًا متصاعدًا بين قوى إقليمية ودولية.
بالإضافة إلى البعد السياسي والعسكري، يُنظر إلى التوتر بين القاهرة ومقديشو من زاوية اقتصادية أيضًا، إذ تخشى مصر من أن يؤدي التعاون الصومالي الإثيوبي إلى تقليص نفوذها الاقتصادي في القرن الإفريقي، لا سيما في مجالات النقل البحري والتبادل التجاري، حيث تسعى أديس أبابا لتعزيز وجودها على السواحل الصومالية، ما قد يمنحها ميزة استراتيجية في السيطرة على الموانئ الحيوية ومسارات التجارة الإقليمية، ويؤثر على التوازنات الاقتصادية في المنطقة.
من جانب آخر، يُتوقع أن تلعب الدول العربية دورًا أكبر في محاولة رأب الصدع بين مصر والصومال، خاصة أن جامعة الدول العربية سبق أن دعمت الموقف الصومالي الرافض لاتفاق أرض الصومال إثيوبيا، وقد تُكثف القاهرة تحركاتها الدبلوماسية بالتنسيق مع دول الخليج وشركائها الأفارقة لإعادة إحياء مسار التعاون مع مقديشو، بما يضمن الحفاظ على المصالح المشتركة، ويمنع تكرار سيناريوهات التمدد الإثيوبي في مناطق نفوذ تقليدية لمصر.
في ضوء التطورات الأخيرة، يبدو أن الفتور في العلاقات المصرية الصومالية مرشح للاستمرار ما لم تُبذل جهود دبلوماسية عاجلة لإعادة التوازن للعلاقات بين القاهرة ومقديشو. ومع اشتداد التنافس الإقليمي في القرن الإفريقي، فإن مستقبل هذا التحالف سيعتمد على قدرة الطرفين على تجاوز الخلافات، وإعادة ضبط المسارات السياسية والعسكرية بما يخدم المصالح المشتركة ويُعزز الاستقرار في المنطقة.
تعرف المزيد على: الاستراتيجية متعددة المحاور لمكافحة الجماعات الإرهابية في الصومال