واشنطن تراجع موقفها التاريخي تجاه الإقليم الانفصالي في القرن الأفريقي وسط تصاعد التنافس الصيني الغربي
في خطوة قد تمثل تحولاً جذرياً في تعاطي الولايات المتحدة مع الملف الصومالي، كشف تقرير نشره موقع “لي ديبلومات” الإيطالي عن مراجعة استراتيجية تجريها واشنطن بشأن إقليم صوماليلاند، الإقليم الذي أعلن استقلاله من جانب واحد منذ عام 1991، دون أن ينال اعترافاً دولياً حتى اليوم. وتأتي هذه المراجعة وسط تصاعد التنافس الدولي في منطقة القرن الأفريقي، لاسيما النفوذ الصيني والتركي المتزايد في خليج عدن والبحر الأحمر.
بحسب التقرير الذي أعدّه الصحافي أوليفييه دوزون، فإن الموقف الأمريكي، الذي لطالما دافع عن وحدة أراضي الصومال، يشهد تحولاً هادئاً ولكنه استراتيجي، مدفوعاً بالتغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي. وأبرز هذه التغيرات هو الانحياز الواضح الذي تبديه مقديشو نحو أنقرة وبكين والقاهرة، في مقابل تموضع صوماليلاند ضمن حلف استراتيجي غربي عبر إقامة علاقات رسمية مع تايوان ورفض التعاون مع الصين.
ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة بدأت تنظر إلى صوماليلاند كـ”نموذج ديمقراطي فاعل” وسط إقليم مضطرب سياسياً وأمنياً، مما يجعل من هرجيسا حليفاً محتملاً في مواجهة التمدد الصيني والروسي في المنطقة.
هرجيسا في لحظة حاسمة: رصيد ديمقراطي ورفض للهيمنة
يرى الناشط السياسي من صوماليلاند، عبدالقادر يبال، أن الإقليم يعيش لحظة سياسية فريدة قد لا تتكرر، خاصة مع تراكم الإنجازات الديمقراطية والاستقرار الداخلي، مقارنةً بدول الجوار التي تعاني من حروب، عنف انتخابي، أو أنظمة سلطوية استمرت لعقود.
ويؤكد يبال أن صوماليلاند تمكّنت من بناء نظام سياسي تعددي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وشهدت انتقالاً سلمياً للسلطة بشهادة مراقبين دوليين، مشيراً إلى أن ذلك يجعلها “الاستثناء الديمقراطي” الوحيد في منطقة القرن الأفريقي.
ترامب وصيغة الاعتراف: اللحظة المناسبة أم المجهولة؟
يبدي يبال تفاؤلاً كبيراً تجاه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، ويعتبر أنها قد تكون أكثر جرأة في كسر الأعراف الدبلوماسية التقليدية، لا سيما ما يتعلق بوحدة الدول الأفريقية. ولفت إلى أن صوماليلاند تتماشى مع ميثاق الاتحاد الأفريقي فيما يخص احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، إذ إن الإقليم كان يتمتع بالاعتراف الدولي في عام 1960 قبل أن ينضم طوعاً إلى الصومال الكبير.
ويضيف يبال أن إدارة ترمب أظهرت ميلاً لإعادة رسم حدود مناطق عدة حول العالم، ما يجعل من الاعتراف بصوماليلاند خطوة محتملة ضمن إطار الصراع مع الصين، خاصة في ظل علاقة هرجيسا المتقدمة مع تايوان، الخصم الأول لبكين.
معارضة داخلية وخارجية: من الصومال إلى الاتحاد الأفريقي
في المقابل، يرفض المحلل السياسي الصومالي عيدي محمد هذه الرواية، ويصف التقارير الإعلامية الأخيرة بأنها “دعائية”، تربط الاعتراف المفترض بصوماليلاند بخطط تهجير سياسي مثيرة للجدل، مثل استقبال لاجئين فلسطينيين من غزة مقابل الاعتراف بالإقليم.
عيدي يرى أن الاعتراف الأمريكي في حال تم لن يغيّر الواقع كثيراً، نظراً للرفض الإقليمي والدولي الواسع لفكرة تقسيم الدول الأفريقية، مشيراً إلى أن الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، لا يزالون يدعمون وحدة الأراضي الصومالية، كما أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن ستعارض بشدة أي قرار مشابه، لحسابات تايوان أولاً ومقديشو ثانياً.
الضغط الأمريكي أو اختبار النوايا؟
يرجّح عيدي أن الحديث عن اعتراف أمريكي قد يكون جزءاً من ضغط سياسي على الحكومة الفيدرالية في الصومال لتقليص تعاونها مع الصين وتركيا. ويرى أن واشنطن قد تستخدم ملف صوماليلاند كورقة تفاوض، لا كقرار جيوسياسي حاسم في هذه المرحلة، مستبعداً أن يؤدي الأمر إلى تحول فعلي في ميزان الاعترافات الدولية.
ورغم ذلك، يبقى السؤال مطروحاً بقوة: هل تنجح صوماليلاند في كسر العزلة السياسية؟ وهل تكون أول كيان أفريقي ينال اعترافاً دولياً بعد عقود من الانتظار عبر بوابة صراع القوى الكبرى؟
تعرف المزيد على: الحزب السياسي الجديد في الصومال..انطلاقة جديدة بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود