في خطوة مثيرة للجدل، عاد الجدل حول الحصانة البرلمانية في الصومال إلى الواجهة، بعدما تراجع رئيس مجلس الشعب الفيدرالي الشيخ آدم محمد نور “مدوبي” عن قراره السابق برفع الحصانة عن النائب عبد الله حاشي أبيب، عقب ضغوط سياسية شديدة من أعضاء المجلس، مما يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول استقلالية القرار التشريعي ومستقبل العلاقة بين رئاسة المجلس والنواب.
تفاصيل التراجع عن قرار رفع الحصانة
في بيان رسمي صدر الثلاثاء، أعلن رئيس مجلس الشعب الصومالي إحالة قضية النائب أبيب إلى اللجنة البرلمانية المعنية باللوائح والانضباط والحصانة، بغرض إعداد توصية تُعرض على الجلسات العامة للمجلس. يأتي هذا القرار بعد أن واجه مدوبي تهديدًا مباشرًا من أكثر من 100 نائب تعهدوا بتقديم اقتراح لسحب الثقة منه في حال لم يتراجع عن قراره الأول.
خلفيات أزمة الحصانة البرلمانية في الصومال
بدأت الأزمة بعد إعلان مدوبي رفع الحصانة عن النائب عبد الله حاشي أبيب، دون المرور بالإجراءات المتعارف عليها داخل المؤسسة التشريعية، وهو ما أثار استياء عدد كبير من النواب الذين اعتبروا القرار تجاوزًا لصلاحيات رئيس المجلس ومساسًا بمبدأ الحصانة البرلمانية، الذي يُعد من الركائز الأساسية للديمقراطية البرلمانية.
النواب المعارضون وصفوا القرار بأنه “غير دستوري”، معتبرين أنه سابقة خطيرة قد تُستخدم كأداة لتصفية الخلافات السياسية تحت غطاء القانون.
موقف النواب بعد التراجع
رغم إصدار البيان الرسمي بالتراجع عن القرار، لم يبدِ النواب المعارضون ارتياحهم الكامل. ففي مؤتمر صحفي عقدوه مساء الثلاثاء، عبّروا عن عدم اقتناعهم بتبريرات رئيس مجلس الشعب، وأصرّوا على المطالبة بإلغاء القرار من جذوره، وليس فقط إحالته إلى اللجنة البرلمانية.
يشير ذلك إلى أن الأزمة السياسية داخل مجلس الشعب لم تنتهِ بعد، وأن الصراع بين رئاسة المجلس وبعض الكتل النيابية ما زال قائمًا، وقد يتطور في الأيام المقبلة في ظل استعداد النواب لتقديم اقتراح بعزل مدوبي نفسه.
أزمة الحصانة البرلمانية في الصومال..بين القانون والسياسة
تعكس هذه الحادثة هشاشة العلاقة بين الأطر الدستورية والضغوط السياسية في الصومال. الحصانة البرلمانية في الصومال ليست مجرد امتياز، بل هي أداة دستورية لحماية استقلال النائب وضمان أداء مهامه بعيدًا عن الضغوط أو التهديدات. ومع ذلك، فإن استخدامها أو رفعها لأسباب سياسية يثير القلق حول مستقبل العمل النيابي في البلاد.
تداعيات محتملة على استقرار المؤسسة التشريعية
هذه الأزمة قد تفتح الباب أمام أزمات داخلية أوسع، خاصة إذا مضى النواب الغاضبون في مسار سحب الثقة من رئيس المجلس. ومن شأن مثل هذا التصعيد أن يضعف أداء المجلس في وقت تواجه فيه البلاد تحديات أمنية وسياسية معقدة.
كما أن استمرار الخلاف قد يؤثر على صورة المجلس أمام الشارع الصومالي، ويزيد من حالة الانقسام السياسي التي تعاني منها مؤسسات الدولة منذ سنوات.
التأثير على سمعة البرلمان الصومالي
الجدل حول الحصانة البرلمانية في الصومال لا يقتصر على نطاقه الداخلي فحسب، بل ينعكس على صورة البرلمان أمام الشركاء الدوليين والمراقبين المهتمين بالمسار الديمقراطي في البلاد. فالتراجع المتأخر عن القرار تحت ضغط سياسي، يثير مخاوف بشأن استقلال المؤسسات الدستورية وقدرتها على إدارة الخلافات ضمن الأطر القانونية والمؤسسية. استمرار هذه الإشارات السلبية قد يُضعف الثقة في العملية التشريعية ويؤثر على التعاون مع الجهات المانحة والدول الصديقة.
الحاجة إلى إصلاح تشريعي عاجل
تكشف الأزمة الحالية عن فراغ قانوني يجب التعامل معه بجدية. فغياب آلية واضحة ومُلزمة لمعالجة قضايا الحصانة، يفتح المجال للاجتهادات الشخصية والتأويل السياسي. ولذلك، يرى عدد من الخبراء في الشأن البرلماني ضرورة إدراج تعديلات على نظام مجلس الشعب، تنظم بشكل صارم إجراءات رفع الحصانة، وتمنع استخدامها كأداة ضغط سياسي. من دون هذه الإصلاحات، ستظل الحصانة البرلمانية في الصومال عرضة للتسييس، مما يُهدد أداء البرلمان ودوره الرقابي والتشريعي في المستقبل.
تسلّط أزمة الحصانة البرلمانية في الصومال الضوء على مدى تعقيد المشهد السياسي الداخلي، وتبرز الحاجة إلى احترام القوانين المنظمة للعلاقات بين مؤسسات الدولة، بعيدًا عن التجاذبات الشخصية. ومع استمرار الضغوط بين رئاسة المجلس والنواب، تبقى الأنظار موجهة إلى ما إذا كانت هذه الأزمة ستقود إلى إصلاحات داخلية أم إلى مزيد من الانقسام داخل المؤسسة التشريعية.
تعرف المزيد على: النفوذ الأجنبي في الصومال: معركة القوى الكبرى على مفترق الطرق الإفريقي