في خطوة تبدو أنها ستحدث تحولًا كبيرًا في العلاقات العسكرية داخل القارة الإفريقية وخارجها، اتخذت الصومال قرارًا استراتيجيًا بتحالف جديد مع دولة غير متوقعة. لكن ما الذي تعنيه هذه الخطوة؟ ولماذا الآن تحديدًا؟ وهل تحمل هذه الاتفاقية الدفاعية بُعدًا يتجاوز مجرد التعاون العسكري؟
شهدت الساحة السياسية والدبلوماسية تطورًا لافتًا تمثل في توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين الصومال وأذربيجان. هذه الخطوة، التي تم التصديق عليها رسميًا من قبل الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحالفات غير التقليدية التي قد تُعيد رسم ملامح النفوذ الأمني في القرن الأفريقي.
ما أهمية اتفاقية التعاون الدفاعي بين الصومال وأذربيجان؟
في ظل التهديدات الأمنية المتصاعدة التي تواجه الصومال، سعت مقديشو إلى تنويع شركائها الدفاعيين بعيدًا عن الدوائر التقليدية، فوجدت في أذربيجان شريكًا محتملًا يدعم جهودها في بناء جيش عصري وتطوير قدراتها الدفاعية.
هذه الخطوة تشير إلى رغبة صومالية واضحة في الخروج من عباءة التحالفات الإقليمية المحدودة، وبناء شبكة دعم دولية أكثر مرونة واستقلالًا.
تفاصيل الاتفاقية الدفاعية بين البلدين
الاتفاقية التي وُقعت في 12 فبراير 2025 في العاصمة باكو، حملت عنوانًا رسميًا:
“اتفاقية بين حكومة جمهورية أذربيجان وحكومة جمهورية الصومال الفيدرالية للتعاون في مجال الدفاع والصناعات الدفاعية”.
وقد وقعها وزير الدفاع الصومالي السابق عبد القادر محمد نور، ونظيره الأذربيجاني ذاكر حسنوف.
في 22 أبريل 2025، صادق البرلمان الأذربيجاني على الاتفاقية، ليعقب ذلك توقيع الرئيس علييف، ما يعكس التزامًا سياسيًا على أعلى مستوى.
بنود الاتفاقية: نقل التكنولوجيا والتدريب والمبادرات المشتركة
تشمل الاتفاقية عدة مجالات تعاون:
1.نقل التكنولوجيا الدفاعية وتطوير الصناعات العسكرية.
2.تدريب وحدات من الجيش الصومالي على يد خبراء أذربيجانيين.
3.برامج تبادل المعلومات والخبرات في مجالات الاستطلاع والمراقبة.
4.تنفيذ مبادرات دفاع مشتركة قد تشمل المناورات والتدريبات العسكرية.
من يقف وراء التنفيذ الفعلي للاتفاقية؟
من المتوقع أن تتولى وزارتا الدفاع في البلدين مسؤولية التنفيذ، مع احتمالية تشكيل لجان مشتركة لمتابعة البرامج وتقييم مراحل الإنجاز.
كما يُرجح أن يتم إشراك هيئات أمنية واستخباراتية لضمان حسن سير المشاريع الدفاعية.
تأثير اتفاقية التعاون الدفاعي بين الصومال وأذربيجان على ميزان القوى في المنطقة
في منطقة يغلب عليها التنافس بين القوى الإقليمية مثل تركيا، الإمارات، وإثيوبيا، فإن دخول أذربيجان كمستثمر عسكري في القرن الأفريقي يُعتبر تطورًا غير مسبوق.
الصومال تستفيد من تعزيز قدراتها الردعية، بينما تراقب دول الجوار التحولات الجديدة بتحفظ، وربما بقلق.
ما الذي تستفيده أذربيجان من هذه الاتفاقية؟
بالنسبة لباكو، فإن التعاون مع الصومال يتيح لها:
1.توسيع نفوذها الدبلوماسي والعسكري في أفريقيا.
2.الدخول إلى سوق الصناعات الدفاعية في منطقة واعدة.
3.بناء علاقات استراتيجية قد تفتح أبوابًا في ملفات أخرى كالتبادل الاقتصادي والطاقة الخضراء.
دعم لرؤية الصومال في بناء أمن وطني مستدام
الاتفاقية تأتي في سياق خطة استراتيجية أكبر تتبناها الحكومة الصومالية بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود، والهادفة إلى:
1.بناء جيش وطني حديث.
2.تحسين البنية التحتية الدفاعية.
3.كسب الدعم التقني والمعرفي من دول ذات خبرات صناعية متقدمة.
تعكس اتفاقية التعاون الدفاعي بين الصومال وأذربيجان تحوّلاً لافتاً في توجهات مقديشو نحو تنويع شراكاتها الاستراتيجية خارج نطاق القوى التقليدية المؤثرة في منطقة القرن الأفريقي. إذ تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعداً في التوترات الأمنية وتنافساً محتدماً بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ البحري والموانئ الحيوية. وفي هذا السياق، تسعى الصومال إلى بناء قدرات دفاعية أكثر استقلالاً، من خلال استقطاب دعم تكنولوجي وتدريبي من دول تمتلك خبرات متقدمة في الصناعات العسكرية مثل أذربيجان، التي تشهد نمواً ملحوظاً في قطاع الصناعات الدفاعية بعد حروبها في إقليم ناغورني قره باغ.
ويُتوقع أن تفتح اتفاقية التعاون الدفاعي بين الصومال وأذربيجان الباب أمام تنفيذ مشاريع مشتركة في مجالات التصنيع العسكري، وتطوير الأنظمة الدفاعية، وبناء برامج تدريب خاصة بقوات الأمن الصومالية، وهو ما سيساهم في رفع كفاءة البنية العسكرية للدولة الفيدرالية. كما أن وجود بنود محتملة تتعلق بنقل التكنولوجيا قد يُمكّن الصومال من تطوير قاعدة عسكرية محلية أكثر تطوراً على المدى البعيد، بما يعزز سيادتها الأمنية ويقلل من اعتمادها الكامل على الدعم الخارجي التقليدي. هذا التطور الاستراتيجي يعزز موقع الصومال على خريطة التحالفات الدولية، ويمنحه ورقة تفاوض جديدة في علاقاته مع قوى إقليمية كبرى، خصوصاً مع تصاعد الاهتمام العالمي بمضيق باب المندب والبحر الأحمر.
اتفاقية التعاون الدفاعي بين الصومال وأذربيجان بداية لعلاقات شراكة متعددة الأوجه
الاتفاقية العسكرية اتفاقية التعاون الدفاعي بين الصومال وأذربيجان لم تكن الخطوة الوحيدة بين الجانبين، إذ سبقتها مباحثات رفيعة المستوى ناقشت ملفات الطاقة، الاقتصاد، والتعليم.
هذا يشير إلى أن العلاقة بين مقديشو وباكو قد تتطور لتصبح شراكة شاملة تمتد إلى قطاعات غير عسكرية.
تمثل اتفاقية التعاون الدفاعي بين الصومال وأذربيجان أكثر من مجرد صفقة عسكرية. إنها تحوّل استراتيجي يعكس واقعًا جديدًا في السياسة الخارجية الصومالية، ورغبة حقيقية في إعادة تموضع البلاد إقليميًا ودوليًا. كما أنها مؤشر على تطلع أذربيجان للعب دور أكبر في المشهد العالمي، عبر بوابة القرن الأفريقي.
تعرف المزيد على: دعم عربي مستمر للصومال: مصر تدعم الصومال بشحنات من الزي الشرطي لتعزيز القدرات الأمنية