إن تحسين الوصول إلى المياه في الصومال، ضرورة لتنهي معاناة يومية وقصص تروي ومنها الأتي..لم تكن رحلة أمينة محمود سحرديد اليومية للحصول على الماء مجرد روتين عادي، بل كانت تحديًا مرهقًا ومخيفًا. في ريف منطقة سول بشمال الصومال، كانت أمينة تمشي مسافات طويلة وصولًا إلى بئر بدائي، ثم تهبط خمسة أمتار إلى الأسفل لملء الدلو، قبل أن تصعد حاملة حاويات ثقيلة إلى منزلها. تتذكر قائلة: كنا نخاف من السقوط داخل البئر، وكنت أرتعب من هجمات الحيوانات البرية، خاصة في الليل.
هذا المشهد لم يكن خاصًا بأمينة وحدها، بل كان واقعًا يوميًا تعيشه أكثر من 100 عائلة في قرية هوفتيرو. البئر الوحيد في المنطقة كان في حالة متهالكة؛ بلا مضخات، ولا خزانات، ولا وسائل أمان. “كانت أزمة حقيقية بالنسبة للجميع، يقول محمد يوسف بلعال، أحد سكان المجتمع المحلي. ويضيف كابدي آدان جاماك، عضو اللجنة المشرفة على البئر، لم تكن هناك أي معدات حديثة تساعد في استخراج المياه.
تحسين الوصول إلى المياه في الصومال..تدخل فاعل يغيّر المعادلة
بدأ التغيير الحقيقي العام الماضي، عندما تدخلت منظمة أوكسفام ونفذت مشروعًا متكاملًا يهدف إلى تحسين الوصول إلى المياه في الصومال من خلال تطوير البنية التحتية للمياه في المجتمعات المهمشة. يقول جاماك بفخر، أوكسفام جهزت البئر بكل ما يلزم مضخات قوية، خزانات مياه ضخمة، أحواض للحيوانات، وحتى صنابير للاستعمال المنزلي.
أنشأت المنظمة خزانين كبيرين بسعة 50 مترًا مكعبًا لكل منهما، ما أدى إلى توزيع المياه بشكل منتظم عبر الصنابير، وتحسين الخدمات ليس فقط للأسر، بل وللماشية التي تعتمد عليها سبل العيش في المنطقة.
مياه آمنة تنقذ الأرواح وتعزز الاستقرار.. أخيرًا
تأتي هذه الخطوة في وقت بالغ الحساسية، حيث يواجه الصومال أزمات متراكمة من الجفاف، والصراعات، وتغير المناخ. ووفقًا للبيانات، فإن 47% من سكان البلاد يفتقرون إلى مصدر موثوق لمياه الشرب، ويحتاج نحو 9 ملايين شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
إن تحسين الوصول إلى المياه في الصومال لا يتعلق فقط بتوفير الخدمات، بل بتمكين المجتمعات من الصمود في وجه الأزمات. ففي قرية هوفتيرو، كان فقدان الماشية يعني كارثة اقتصادية حقيقية. بين عامي 2020 و2023، قضى الجفاف المتكرر على نحو 3.5 مليون رأس ماشية، مما تسبب في تشريد مليوني أسرة رعوية.
يقول بلعال: البئر الجديد قادر الآن على توفير الماء لثلاثة قطعان من الجمال في نفس الوقت، دون أي تأخير. وتشرب منه يوميًا نحو 100 جمل، ما يعني حماية مباشرة لمصدر رزق العائلات.
النساء أول المستفيدات من التحول
لم تقتصر آثار المشروع على الماشية أو توفير المياه فقط، بل أحدثت نقلة نوعية في حياة النساء. سابقًا، كانت النساء والفتيات يقضين ساعات في جلب المياه من مناطق بعيدة، معرضات للخطر والإرهاق. الآن، أصبح الوصول إلى المياه أسهل بكثير.
تقول عائشة علي، وهي من سكان القرية: لم نعد مضطرين لحمل أوعية المياه الثقيلة أو السير لساعات. كل شيء أصبح متاحًا عند أقرب صنبور. وتضيف أن المشروع شمل أيضًا توزيع أدوات نظافة صحية ومستلزمات للدورة الشهرية، مما حسن من صحة النساء وكرامتهن.
توضح علي، قد تبدو هذه التفاصيل بسيطة، لكنها أحدثت فرقًا كبيرًا في حياتنا اليومية”. وتابعت: “نشعر الآن بالأمان، والمياه أصبحت متوفرة، والأطفال في أمان.
مشروع مستدام يستحق التكرار
في ظل التحديات المناخية والاقتصادية التي يعيشها الصومال، يمثل مشروع هوفتيرو نموذجًا ناجحًا لما يمكن أن تفعله التنمية المجتمعية إذا توفرت الإرادة والموارد. إن تحسين الوصول إلى المياه في الصومال لا يحمي فقط الأرواح والممتلكات، بل يبني جسور الثقة بين المجتمعات والمنظمات الإنسانية.
ويرى مراقبون أن مثل هذه المشاريع لا ينبغي أن تظل محدودة النطاق، بل يجب توسيعها لتشمل مجتمعات أخرى تعاني من شح الموارد والبنية التحتية. فالماء ليس فقط حقًا إنسانيًا أساسيًا، بل هو عنصر جوهري في بناء الاستقرار والسلام.
دور المجتمع في استدامة مشروع تحسين الوصول إلى المياه في الصومال
يؤكد كابدي جاماك أن إشراك المجتمع المحلي في تشغيل وصيانة المشروع كان أحد مفاتيح نجاحه. فقد تم تشكيل لجنة أهلية تُشرف على البئر، وتضمن استدامته واستعماله بشكل عادل. وهذا يخلق حسًا بالملكية والمسؤولية، ما يزيد من فرص استمرار تأثير المشروع لسنوات.
إن تحسين الوصول إلى المياه في الصومال يجب أن يكون أولوية وطنية، ليس فقط لتلبية الاحتياجات اليومية، ولكن كأداة استراتيجية لمواجهة تغير المناخ والحد من النزوح الريفي وتحقيق التنمية الشاملة.
تعرف المزيد: أهمية دعم الرضاعة الطبيعية في الصومال 2025: من التحديات إلى بناء أنظمة مستدامة
الماء سر الحياة
بينما لا تزال أجزاء كبيرة من الصومال تعاني من انعدام الخدمات الأساسية، يُظهر مشروع هوفتيرو كيف يمكن لتدخل بسيط ومدروس أن يُغيّر حياة مئات الأسر. إن تحسين الوصول إلى المياه في الصومال ليس رفاهية، بل ضرورة لا غنى عنها لبناء مستقبل أكثر أمانًا وكرامة.