الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا، رغم ما ينشر باستمرار من تحذيرات عن انغماس هذا الجيل في دوامة رقمية لا مخرج منها. لا يكاد يمر أسبوع دون أن نقرأ أو نسمع وصفًا نمطيًا: هواتف لا تفارق الأيدي، عزلة اجتماعية متزايدة، انعدام للانتماء، وإدمان على السوشيال ميديا. تكرر هذه الصورة في البرامج والمقالات كما لو كانت قدرًا محتومًا لا مفر منه.
لكن ماذا لو كانت هذه الأقوال ليست صحيحة ومضللة؟ وماذا لو أن الجيل Z يمتلك من الوعي والقدرة ما يؤهله للتعامل مع التكنولوجيا بذكاء واتزان؟ بل آن الأوان لنتوقف عن معاملتهم كضحايا ونقر بأن الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا، بل شريك فعال في تشكيل علاقة صحية مع هذا العالم الرقمي المتسارع.
الصورة النمطية المضللة: الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا ولا تائهًا كما يدعون

كتبت كثير من التحليل، وأجري الكثير من الرثاء العاطفي عن الجيل Z. يتحدث البعض عن جيل لا يعرف التواصل الإنساني، وآخرون يصفونه بالمدمن العاجز عن ترك هاتفه. الغريب أن هذه المبالغات غالبًا ما تصدر عن أشخاص ليسوا من الجيل Z، بل من نقاد أو إعلاميين يشعرون بالقلق على مستقبل الشباب، لكنهم يسقطون رؤاهم الخاصة على واقع لا يعيشونه.
في الحقيقة، الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا بل واعٍ لتأثير التكنولوجيا عليه. والكثير منهم يطرح تساؤلات جادة عن معنى الحياة الرقمية، وحدود التفاعل الافتراضي، وجدوى “الإعجابات” و”المتابعات”.
المجتمع تغير بالفعل
يتهم البعض التكنولوجيا بأنها قتلت روح الانتماء المجتمعي لدى الجيل Z. يقولون إنهم لا يتواصلون، لا يشاركون، لا ينخرطون. لكن هذا الادعاء يغفل عن أمر أساسي: أن شكل المجتمع نفسه تغير.
في الماضي، لم يكن الوصول إلى الفعاليات المجتمعية سهلًا. اليوم، بفضل التكنولوجيا، يستطيع الشباب الانضمام إلى حلقات نقاش، نوادٍ أدبية، حملات تطوعية، وحتى ورش عمل فنية بنقرة واحدة. الإنترنت لم يفصلهم عن الواقع، بل فتح أبوابًا جديدة للتفاعل مع العالم الحقيقي.
الاختيار موجود.. لكلًا منا

الحقيقة التي لا يحب كثيرون الاعتراف بها، هي أن استخدام التكنولوجيا ليس قيدًا مفروضًا، بل خيار. كثير من شباب الجيل Z يقررون بكامل وعيهم أن يبتعدوا عن التطبيقات التي تستنزفهم، وأن يخصصوا وقتًا للقراءة أو المشاركة في الأنشطة الحقيقية.
والأمثلة حولنا كثيرة: شباب يقللون ساعات استخدامهم، يلغون متابعة حسابات لا تضيف لهم شيئًا، أو يخرجون إلى الحديقة بدلًا من التمرير اللانهائي على تيك توك. هذه قرارات واعية، لا تتماشى مع سردية العجز. بل تدل أن الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا
تغيير العادات ليس بسهل ولكن وليس مستحيلًا
تكوين عادة رقمية أو التخلص منها لا يختلف عن أي عادة أخرى: يحتاج إلى وعي، وإصرار، وتدرج. الكاتبة التي استشهدت بتجربتها الطويلة مع وسائل التواصل، ثم تحولها إلى القراءة والعلاقات الواقعية، ليست حالة نادرة.
حتى من اعتاد على تصفح تويتر وإنستغرام يوميًا لسنوات، يمكنه إعادة برمجة نفسه. نعم، الأمر ليس سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا. العقل البشري قابل للتغيير، والجيل Z يملك هذا العقل نفسه مع فارق أن وعيهم بالتكنولوجيا أكبر من أي جيل سبقهم. لذلك يجب ترسيخ فكرة أن الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا بل يملك زمام الأمور.
الأرقام تكشف مفاجآت: الجيل Z ليس كما نعتقد

الإحصائيات تقلب الطاولة على كل التهويل. في استطلاع حديث لأصوات الجيل Z لعام 2024، قال 79% من الشباب إنهم متفائلون بالمستقبل. 7% فقط وصفوا حالتهم النفسية بأنها سيئة.
وفي استطلاع آخر أجراه مركز “بيو”، قالت أغلبية المراهقين إن علاقتهم بوسائل التواصل إما متوازنة أو إيجابية في الغالب الأعم . فقط 14% من المراهقين وصفوا تجربتهم بـالسلبية في الغالب، بينما رأى 28% أنها إيجابية، و58% أنها مزيج بين الجانبين.
فهل هذه مؤشرات جيل محطم؟ أم أننا فقط نغض البصر عن حقيقة الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا، لأنها لا تثير الجدل الكافي لتتصدر العناوين؟
العجز المكتسب.. أكبر تهديد يواجه الجيل Z
حين نُخبر جيلًا كاملًا أنه ضحية لا حول له ولا قوة أمام التكنولوجيا، فإننا لا نحميه بل نُضعفه ونزيد من ترسيخ هذه الفكرة الخاطئة. نحن نرسخ داخله فكرة أن أي محاولة للتغيير بلا جدوى، وأنه محكوم بالخوارزميات.
فكرة العجز المكتسب أخطر من التكنولوجيا نفسها. إنها تسلب الإرادة من الداخل، وتحول الشعور بالمسؤولية إلى استسلام وتتيقن ف العقل اللاوعي بداخلهم.
التكنولوجيا ليست العدو.. والنقد ليس دائمًا محبة

لا خلاف أن التكنولوجيا لها تأثيرات معقدة على النفس البشرية، وأن الاستخدام المفرط قد يسبب أذى. لكن كل شيء له جانبين فكما ركزنا علي الجانب السيئ لا نتجاهل الجانب الإيجابي لها، لأن تصدير الهلع واللوم المتكرر لا يعد نقدًا بناًء، بل يُساهم في التشويش، ويعيق التفكير ويلبد المشاعر.
من السهل أن نلوم الخوارزميات، أو نطالب بضوابط على التطبيقات. لكن الأصعب والأهم أن نعترف بقدرتنا على التغيير، ونظهر هذا التغيير كأمر ممكن ومتاح لأي شاب أو فتاة من الجيل Z.
خلاصة القول: الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا والحل جزء منه
يستحق الجيل Z أن يُنظر إليه بعين الإنصاف، لا بعين الذعر والنقد المستمر. لا يحتاج إلى من يخبره أنه عاجز، بل إلى من يؤمن بقدرته على التوازن. ليست كل القصص تستحق العناوين الكارثية، وليس كل صمت أمام الشاشة علامة انهيار.
تعرف المزيد: تكنولوجيا المناخ: عندما يضع الابتكار نصب عينيه تغير المناخ
الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا ، ولا يعجز عن مواجهتها بل قادر على إعادة تشكيلها. وما نحتاجه نحن، كأجيال سابقة، هو أن نكف عن تسويق الروايات المظلمة، وأن نفتح المجال لروايات أكثر إشراقًا تبدأ من الثقة.
خلفية عن الجيل Z

من هم الجيل Z؟
الجيل Z هو الجيل الذي وُلد بين منتصف التسعينيات وبداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ويُعتبر أول جيل رقمي بالكامل. نشأ هذا الجيل في بيئة محاطة بالإنترنت، والهواتف الذكية، وتطبيقات التواصل الاجتماعي، ما جعله يتفاعل مع التكنولوجيا منذ الطفولة وكأنها جزء طبيعي من حياته اليومية.
مواطنون رقميون بالفطرة
بحكم نشأتهم، يُوصف أفراد الجيل Z بأنهم مواطنون رقميون، يجيدون التنقل بين المنصات، ويُظهرون مرونة عالية في التعلم الرقمي. ومع ذلك، فإن هذا التفاعل المكثف مع العالم الرقمي لا يعني أنهم بلا وعي أو ضحايا سلبيين للابتكار التكنولوجي. على العكس، الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا، بل قادر على تطويعها وتشكيل علاقتها معه بطرق أكثر وعيًا من المتوقع.
خصائص وسلوكيات مميزة لهم
تشير دراسات اجتماعية حديثة إلى أن هذا الجيل أكثر وعيًا بالصحة النفسية، وأقل ميلًا للمخاطرة مقارنة بالأجيال السابقة. كما أن لديه حرصًا أكبر على تحصيل تعليم جيد، والتفاعل مع القضايا الاجتماعية والبيئية. هذه الخصائص تُبرز أنه رغم الضغوط الرقمية، فإن الجيل Z ليس ضحية التكنولوجيا، بل يمضي نحو رسم مستقبل رقمي واعٍ ومتوازن.