تسعى منطقة القرن الأفريقي المنفصلة، التي أعلنت انفصالها عن الصومال قبل أكثر من ثلاثة عقود، اليوم لإعادة رسم موقعها الجيوسياسي من بوابة واشنطن. بعد عقود من الاستقرار النسبي مقارنة بالأوضاع المتقلبة في الصومال، تطرح المنطقة شبه المستقلة نفسها كشريك استراتيجي محتمل للولايات المتحدة، عبر عرض يشمل إنشاء قاعدة عسكرية قرب البحر الأحمر والدخول في اتفاقات تخص المعادن الحيوية، في خطوة تهدف لتعزيز فرصها في الحصول على اعتراف دولي كدولة مستقلة.
منطقة القرن الأفريقي المنفصلة.. بناء شراكة أمريكية
رغم أن الولايات المتحدة لا تزال تعترف رسميًا بسيادة الصومال على كامل أراضيه، يواصل رئيس منطقة القرن الأفريقي المنفصلة، عبد الرحمن محمد عبد الله، الضغط من أجل تغيير هذا الموقف. عبد الله تسلم الحكم في المنطقة عام 2024، يعمل حاليًا على بناء شراكة أمريكية تشمل جوانب أمنية واقتصادية ومكافحة الإرهاب، بحسب تصريحاته في مقابلة حديثة.
وأكد عبد الله في مقابلة الاثنين الماضي، أن مسؤولين أمريكيين، من بينهم السفير الأمريكي لدى الصومال، أجروا زيارات متعددة إلى أرض الصومال خلال الأشهر الماضية، كما زارها وفد عسكري أمريكي نهاية العام الماضي. ورغم أن وزارة الدفاع الأمريكية لم تُدلِ بتعليق رسمي، فإن المشاورات تشير إلى اهتمام أمريكي فعلي بالمنطقة.
منطقة مستقرة في فوضي وصراعات مسلحة
لم تحصل أمنطقة القرن الأفريقي المنفصلة حتى الآن على أي اعتراف دولي منذ أن أعلنت استقلالها في 1991، غير أن استقرارها السياسي والأمني، بالمقارنة مع ما تشهده بقية مناطق الصومال من فوضى وصراعات مسلحة، يعزز من فرصها في مخاطبة المجتمع الدولي بلغة المصالح.
فالمنطقة تحتل موقعًا استراتيجيًا يكتسب أهمية متزايدة في ظل التوترات في البحر الأحمر، حيث تستهدف جماعة الحوثي السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة، فيما تواصل الإمارات الحليف الوثيق لواشنطن تشغيل ميناء بربرة وإدارة مهبط طائرات قريب يُستخدم لأغراض عسكرية.
منطقة القرن الأفريقي المنفصلة.. المعادن عروض مغزية
من أبرز ما تطرحه أرض الصومال في مفاوضاتها مع واشنطن هو إمكانية منح الشركات الأمريكية امتيازات في قطاع المعادن الحيوية، مثل الليثيوم، الذي يكتسب أهمية متزايدة في الصناعات التقنية. ورغم أن إنتاج الليثيوم لم يبدأ بعد فعليًا في المنطقة، إلا أنها منحت ترخيصًا لشركة “كيلوماس” السعودية لاستكشاف رواسبه.
تشير تقارير دولية إلى أن أرض الصومال مليئة بموارد طبيعية تشمل القصدير والذهب والجبس والأحجار الكريمة، إلى جانب مجموعة من المعادن الصناعية، مما يمنحها أهمية استراتيجية متنامية ضمن شبكات الإمداد العالمية.
قاعدة أمريكية.. المناقشات لا تزال مستمرة
عندما سُئل عبد الله عن إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة القرن الأفريقي المنفصلة، أوضح أن الفكرة مطروحة، لكنها لا تزال قيد النقاش. وقال: نتطلع إلى أن تثمر هذه النقاشات في المستقبل، مؤكدًا أن أي تواجد أمريكي سيكون موضع ترحيب، لكنه غير مشروط باعتراف رسمي فوري.
العقبة الكبرى: موقف مقديشو
على الطرف الآخر، تتمسك الحكومة الصومالية بوحدة أراضيها وترفض أي خطوة نحو الاعتراف بمنطقة القرن الأفريقي المنفصلة. من جانبها، شددت وزارة الخارجية الأمريكية على أنها لا تخوض في الوقت الراهن أي محادثات رسمية مع سلطات أرض الصومال حول الاعتراف بها كدولة مستقلة، مؤكدة تمسكها بموقفها الداعم لوحدة وسيادة الأراضي الصومالية.
وزير الدولة الصومالي للشؤون الخارجية، علي محمد عمر، شدد على أن الاعتراف بأرض الصومال يتناقض مع القوانين الدولية، وأن واشنطن ما زالت تدعم وحدة وسيادة الصومال بشكل كامل.
توازن جيوسياسي
يبقى العامل الأمني محوريًا في موقف واشنطن، خاصة أن الولايات المتحدة تلعب دورًا رئيسيًا في دعم الصومال ضد الجماعات الإرهابية مثل “داعش” و”القاعدة”. وفي هذا السياق، قال نائب قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا، جون برينان، إن محاربة الإرهاب هي أولويتنا الأساسية، وشرق أفريقيا يمثل أكبر استثمار لنا في هذا المجال.
تعرف المزيد: الصومال ينفي وساطة قطرية مع أرض الصومال: “لسنا طرفين منفصلين”
السلام مقابل الاعتراف
رغم العقبات، يواصل عبد الله التأكيد على أن طريق الاعتراف الدولي يمر عبر الحوار والتعاون مع المجتمع الدولي في مجالات الأمن، ومكافحة الإرهاب، ومحاربة القرصنة، والهجرة غير النظامية. لكن لم يداري انزعاجه من تحركات الحكومة الصومالية، التي وجها لها اتهام بمحاولة إنشاء إدارة موازية داخل أراضيه.
واختتم قائلاً: “نحن شعب محب للسلام، لكننا لن نقف مكتوفي الأيدي إذا حاول أحد اقتطاع أجزاء منا. نحن قادرون على الدفاع عن أرضنا”.