في تطور لافت ضمن فصول الحرب التجارية بين أمريكا والصين، استضافت العاصمة السويدية ستوكهولم، يوم الإثنين، جولة جديدة من المحادثات رفيعة المستوى بين كبار المسؤولين الاقتصاديين من البلدين، في محاولة لتخفيف التوترات، وتمديد الهدنة التجارية التي باتت على وشك الانتهاء.
وجاء اللقاء وسط ترقب عالمي للنتائج، حيث تبذل واشنطن وبكين جهودًا دبلوماسية مكثفة لتجنب انفجار جديد في الحرب التجارية بين أمريكا والصين، والتي ألقت بظلالها خلال السنوات الماضية على الأسواق العالمية، تسببت في اضطراب و خلل في سلسلة نقل وتوزيع السلع وأثرت على حركة التجارة الدولية
خمس ساعات من النقاش المكثف في ستوكهولم

ضم الوفد الأمريكي وزير الخزانة سكوت بيسنت، بينما ترأس الجانب الصيني نائب رئيس الوزراء خه لي فنغ، حيث عقد الجانبان جلسة مغلقة استمرت لأكثر من خمس ساعات، دون الإدلاء بأي تصريحات مباشرة للصحفيين عقب الاجتماع.
وتتسابق العواصم الكبرى لتقييم مآلات هذه الجولة، في ظل اقتراب المهلة المحددة لبكين في 12 أغسطس، للتوصل إلى تسوية دائمة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، فيما يخص الرسوم الجمركية والقيود التقنية، التي تعد أحد أبرز محاور الحرب التجارية بين أمريكا والصين.
فتح الأسواق الصينية.. وإلا فالعواقب قادمة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتأخر في التعليق على الجولة، إذ صرّح من إسكتلندا خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني، بأن الولايات المتحدة تسعى لرؤية “أسواق الصين منفتحة على المنتجات الأمريكية”، مشددًا على أن المفاوضات مستمرة.
وفي حال فشل المحادثات، يُتوقع أن تعود الحرب التجارية بين أمريكا والصين إلى الواجهة بشكل أشد ضراوة، من خلال إعادة فرض رسوم جمركية مرتفعة على سلع استراتيجية، ما سيعيد حالة عدم اليقين إلى سلاسل التوريد العالمية، ويهدد بانكماش في التجارة الثنائية.
تمديد الهدنة .. ولكن بشروط
تقول مصادر تجارية إن من بين النقاط الأساسية المطروحة على الطاولة في ستوكهولم، احتمال تمديد الهدنة الحالية لمدة 90 يومًا، وفقًا لما جرى الاتفاق عليه بشكل مبدئي في مايو الماضي. ويُنظر إلى التمديد باعتباره خطوة ضرورية لكبح تصعيد جديد في الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وللتمهيد لاجتماع قمة مرتقب بين ترامب وشي جينبينغ في أكتوبر أو نوفمبر المقبلين.
ورغم ما يبدو من تقدم، إلا أن مسؤولين أمريكيين مثل الممثل التجاري جيميسون جرير أوضحوا أن النتائج المرجوة من هذه الجولة قد تكون محدودة، مع التركيز أكثر على ضمان تنفيذ الاتفاقات ، وبالأخص ما يتعلق بتصدير المعادن الأرضية النادرة واستكمال شحنات التكنولوجيا الحيوية.
قضايا ما زالت خارج المحادثات

رغم الأهمية القصوى للمحادثات، فإنها لا تزال تستبعد ملفات خلافية كبرى، أبرزها اعتراضات واشنطن على النموذج الاقتصادي الصيني المدعوم من الدولة، والذي تتهمه بإغراق الأسواق العالمية بسلع رخيصة. كما تتجاهل بكين في المقابل القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على الشركات الصينية بدعوى “الأمن القومي”، خاصة في قطاعات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
الخبير في الاقتصاد الصيني سكوت كنيدي أشار إلى أن لقاءات جنيف ولندن، التي سبقت اجتماع ستوكهولم، كانت تهدف فقط إلى إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي، دون التطرق إلى جوهر الخلافات التجارية.
توتر سياسي يهدد التقدم
في موازاة المساعي الاقتصادية، يستعد أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين لتقديم مشاريع قوانين جديدة تستهدف الصين، تتعلق بحقوق الإنسان، تايوان، ومعاملة الأقليات، وهو ما قد يُعقّد مناخ المحادثات ويضع عراقيل أمام أي اختراق محتمل.
في الوقت نفسه، توصلت واشنطن مؤخرًا إلى اتفاق جمركي مع الاتحاد الأوروبي، تضمّن فرض رسوم بنسبة 15% على صادرات أوروبية عدة، بما فيها السيارات، ما يعكس اتجاها أمريكيًا متشددًا تجاه الشركاء التجاريين عمومًا.
المعادن الأرضية النادرة: ورقة ضغط صينية
تُعد المعادن الأرضية النادرة من أكثر أوراق الضغط الصينية فاعلية في سياق الحرب التجارية بين أمريكا والصين، إذ تسيطر بكين على نسبة كبيرة من الإنتاج العالمي لهذه المواد الحيوية، التي تدخل في صناعات دقيقة تشمل الدفاع والتكنولوجيا والطاقة المتجددة.
وبحسب مراقبين، فإن تهديد الصين بوقف تصدير هذه المعادن يشكل مصدر قلق دائم لصناع القرار الأمريكيين، الذين يسعون لتقليل الاعتماد على المورد الصيني دون تعطيل الصناعات الوطنية.
الملفات البنيوية لم تتناول بعد ..
رغم أهمية المحادثات في ستوكهولم، فإنها لم تتناول بعد الملفات البنيوية المرتبطة بجوهر الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وعلى رأسها اعتراضات واشنطن على السياسة الصناعية الصينية، التي تعتمد على دعم الدولة للمصدرين وتقديم تسهيلات غير تنافسية.
في المقابل، تشكو بكين من القيود الأمريكية المفروضة على شركاتها بدعوى الأمن القومي، لا سيما في قطاعات الذكاء الاصطناعي والرقائق الإلكترونية، وهو ما ترى فيه الصين محاولة لاحتوائها اقتصاديًا وتقنيًا.
هل نشهد هدنة مستدامة أم انفجارًا جديدًا؟
بين محاولات التهدئة والتحركات التشريعية المضادة، يقف ملف الحرب التجارية بين أمريكا والصين عند مفترق طرق حاسم. إما أن تثمر محادثات ستوكهولم عن بداية جديدة تعيد التواصل بين واشنطن وبكين إلى مساره الطبيعي، أو أن تعود التوترات لتتفاقم مجددًا، بما ينذر بجولة تصعيد جديدة قد تكون أكثر قسوة من كل ما سبق.
تعرف المزيد: هل يفرض ترامب رسوم جمركية مباشرة على معظم دول العالم في 2025؟
وحتى تتضح نتائج المفاوضات، تبقى الأسواق الدولية في حالة ترقب، فيما تواصل الصين استخدام أوراقها التكنولوجية والمعدنية، بينما تراهن واشنطن على التحالفات والضغوط المؤسسية لاحتواء المنافس الآسيوي الأبرز في القرن الـ21.