في تحوّل دبلوماسي لافت، بدأت دول أوروبية كبرى بقيادة فرنسا بالاعتراف بدولة فلسطين، مما أثار ردود فعل متباينة في الأوساط الدولية، خاصة من إسرائيل وحلفائها. هذا الزخم الجديد يأتي وسط تصاعد الضغوط الشعبية والسياسية في أوروبا والعالم، تزامنًا مع استمرار الحرب في غزة، ليفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.
الاعتراف بدولة فلسطين يصل مجموعة السبع: فرنسا تقود المسار

في نهاية يوليو 2025، أعلنت فرنسا على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون نيتها الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، لتكون بذلك صبحت فرنسا أول دولة من مجموعة الدول السبع الكبرى تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، لتنضم إلى أكثر من 147 دولة سبق أن اتخذت هذه الخطوة، ما يمثل نحو 75% من أعضاء الأمم المتحدة. وصف ماكرون القرار بأنه “تاريخي”، في محاولة لتعزيز جهود السلام في الشرق الأوسط، مؤكدًا أن الاعتراف يأتي في إطار رؤية ثنائية تعترف بإسرائيل وفلسطين معًا.
الاعترافات المتتالية منذ إعلان 1988
منذ أن أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية في نوفمبر/تشرين الثاني 1988 قيام دولة فلسطين، توالت الاعترافات الدولية. فقد بادرت دول شيوعية مثل الاتحاد السوفييتي والصين، ودول من حركة عدم الانحياز مثل يوغوسلافيا والهند إلى الاعتراف، وتبعتها نحو نصف الدول التي تعترف بفلسطين حاليًا في الأعوام القليلة التالية.
في تسعينيات القرن الماضي، لحقت دول من آسيا الوسطى، وجنوب أفريقيا، والفلبين، ورواندا بركب الدول المعترفة بفلسطين. ومع مطلع الألفية الجديدة، أعلنت عدة دول في أمريكا اللاتينية، منها الأرجنتين، وبوليفيا، والإكوادور، وفنزويلا، تأييدها الرسمي لقيام الدولة الفلسطينية.
الأمم المتحدة واليونسكو: انتصارات دبلوماسية
في عام 2011، تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب للانضمام كعضو كامل إلى الأمم المتحدة، إلا أن مجلس الأمن رفض الطلب. ومع ذلك، حصدت فلسطين اعترافًا واسعًا في ذات العام، خاصة من دول أمريكا اللاتينية مثل تشيلي، وأوروغواي، وبيرو.
وفي العام نفسه ، تمتعت فلسطين بالعضوية الكاملة في منظمة اليونسكو، في خطوة اعتُبرت نصرًا دبلوماسيًا مهمًا. أما في عام 2012، فقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية الساحقة على منح فلسطين صفة “دولة مراقبة غير عضو”.
الاعتراف الأوروبي: من السويد إلى فرنسا

كانت السويد أول دولة من أوروبا الغربية تقوم بالاعتراف بدولة فلسطين رسميًا في عام 2014، بعد أن سبقتها أيسلندا في عام 2011 من غرب القارة.
ثم تسارعت الاعترافات الأوروبية مجددًا مع تصاعد الحرب في غزة 2023–2024:
- في 22 مايو/أيار 2024، أعلنت إسبانيا والنرويج وأيرلندا اعترافها بفلسطين على حدود ما قبل 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لها.
- في 4 يونيو/حزيران 2024، انضمت أيضا سلوفينيا مع الدول المعترفة.
- في 21 يونيو/حزيران 2024، أعلنت أرمينيا اعترافها الرسمي.
- أما فرنسا فأعلنت اعترافها في يوليو 2025، مع تعهدها بتفعيل القرار في سبتمبر.
العلاقات الثنائية: فلسطين والدول الأوروبية

العلاقات الفلسطينية الإسبانية
تتمتع فلسطين بعلاقات دبلوماسية راسخة مع إسبانيا، حيث توجد سفارة فلسطينية في مدريد، وقنصلية عامة إسبانية في القدس الشرقية. وبتاريخ 28 مايو 2024، اعترفت إسبانيا رسميًا بدولة فلسطين.
العلاقات الأرمنية الفلسطينية
تُعد أرمينيا عضوًا مراقبًا في جامعة الدول العربية، وقد عبّر مسؤولوها مرارًا عن دعمهم لحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وفي يونيو 2024، أعلنت الحكومة الأرمنية اعترافها الرسمي بفلسطين.
العلاقات المالطية الفلسطينية
رغم أن مالطا أدرجت ضمن الدول المعترفة بفلسطين عام 1988، إلا أن الاعتراف كان جزئيًا. ومع ذلك، حافظت على علاقات وثيقة مع فلسطين، وتكررت الزيارات الرسمية بين الطرفين. وفي مايو 2025، أعلن رئيس الوزراء المالطي روبرت أبيلا نية بلاده الاعتراف الرسمي بعد مؤتمر أممي في يونيو، إلا أن القرار أُجّل بسبب تأجيل المؤتمر.
اعترافات خارج أوروبا: الكاريبي وأمريكا اللاتينية

في عام 2024، انضمت دول الكاريبي مثل جزر البهاما، ترينيداد وتوباغو، جامايكا، وبربادوس إلى قائمة المعترفين بدولة فلسطين.
كما أعلنت المكسيك في يونيو 2023 دعمها الكامل لفلسطين، وسارعت إلى افتتاح سفارة في الأراضي الفلسطينية.
وفي 2018، اعترفت كولومبيا بالدولة الفلسطينية، بينما قرر الرئيس الكولومبي الحالي غوستافو بيترو في 2024 قطع العلاقات مع إسرائيل وافتتاح سفارة رسمية في رام الله.
البرلمانات والأحزاب تدخل على خط الضغط الاعتراف بدولة فلسطين

في المملكة المتحدة، وقع أكثر من 220 نائبًا من حزب العمال على عريضة تطالب الحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين دون شروط مسبقة. وبينما لم يُصدر رئيس الوزراء كير ستارمر موقفًا حاسمًا بعد، فإن الضغط الداخلي يتصاعد، لا سيما بعد الانتخابات الأخيرة التي أظهرت تنامي التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية.
في أندورا، دعت أحزاب يسارية مثل PS وConcòrdia إلى الاعتراف بدولة فلسطين فوريًا، بينما عبّر حزب Andorra Endavant عن رفضه لهذا التوجّه، متمسكًا بموقفه الداعي إلى ما وصفه بـ”الحياد الفعّال”.
التوترات الدبلوماسية: إسرائيل ترد
قابلت إسرائيل هذه الاعترافات بسلسلة من الردود الدبلوماسية، تمثلت في استدعاء سفرائها من الدول الأوروبية التي اعترفت بفلسطين، وتوعدت بتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية. أثارت حرب غزة موجة غضب دولية واسعة، دفعت ما لا يقل عن تسع دول إلى اتخاذ خطوات دبلوماسية حازمة، شملت استدعاء سفرائها من تل أبيب أو قطع العلاقات معها بشكل كامل.
تعرف المزيد: فرنسا تعترف بدولة فلسطين سبتمبر 2025.. وهذا موقف إسرائيل
الزخم الدولي نحو الاعتراف بدولة فلسطين
رغم العقبات، فإن الزخم الدولي نحو الاعتراف بدولة فلسطين آخذ في التوسع، مع دعم متزايد من دول الجنوب العالمي وأوروبا. في حين تواصل بعض القوى الغربية الكبرى ربط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالتوصل إلى اتفاق سلام نهائي، بدأت دول أخرى تتعامل مع الاعتراف كوسيلة ضغط دبلوماسية تهدف إلى إعادة إحياء مسار حل الدولتين، ودفع الجهود الدولية نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.