يُعد قطاع الثروة السمكية في الصومال من بين أبرز القطاعات الاقتصادية غير المستغلة بشكل كامل، رغم الإمكانات الهائلة التي يمتلكها. يمتلك الصومال أحد أطول السواحل في القارة الإفريقية، حيث يمتد لمسافة 3,333 كيلومترًا ويطل على بعض من أغنى المصايد البحرية عالميًا. ورغم هذه الثروة الطبيعية، لا تتجاوز مساهمة هذا القطاع 3% من الناتج المحلي الإجمالي. ويمثل حوالي 2% من إجمالي الصادرات، ما يكشف عن فجوة كبيرة بين الإمكانات الحقيقية والأداء الحالي.
رحلة الثروة السمكية في الصومال من التراجع إلى الانتعاش

شهدت مصايد الأسماك الصومالية تراجعًا حادًا منذ اندلاع الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، ما أدى إلى تعطّل البنية التحتية المرتبطة بالصيد التقليدي وانهيار منظومة الإنتاج والتوزيع. ومع ذلك، فإن السنوات الأخيرة حملت مؤشرات إيجابية على التعافي، إذ ارتفعت صادرات الأسماك من 9.9 مليون دولار عام 2017 إلى 51.3 مليون دولار عام 2022، بمعدل نمو يقارب 400% خلال خمس سنوات.
تشير التقديرات إلى أن المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال يمكنها إنتاج 380 ألف – 500 ألف طن متري سنويًا بشكل مستدام، وهو مستوى يتجاوز بكثير الإنتاج الحالي، مما يعكس مدى الإمكانات غير المستغلة.
محطات هامة لتاريخ الثورة السمكية في الصومال
- قبل الحرب الأهلية: لم تتجاوز مساهمة القطاع 1% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس محدودية التطوير حتى في فترات الاستقرار.
- مرحلة ما بعد الحرب: التعافي كان بطيئًا وغير متكافئ بين المناطق الساحلية المختلفة.
- الإصلاحات الحكومية: منذ عام 2019، بدأت الحكومة بإصدار تراخيص الصيد لأول مرة منذ عقود، في خطوة تهدف إلى تنظيم القطاع وإعادة هيكلته.
الثروة السمكية في الصومال .. الأهمية الاقتصادية والتوظيف
يُعتبر قطاع الثروة السمكية مصدرًا حيويًا للوظائف وسبل العيش، حيث يُشغّل نحو 30,000 شخص بدوام كامل، إضافة إلى 60,000 بدوام جزئي، بينما يعتمد أكثر من 500,000 شخص على الأنشطة المرتبطة به مثل المعالجة، النقل، وإصلاح المعدات. وفي ظل ضعف فرص العمل البديلة في المناطق الساحلية، يُمثل هذا القطاع ركيزة اقتصادية واجتماعية رئيسية.
خريطة أنشطة الصيد الإقليمية
يتوزع نشاط الصيد على عدة مدن وموانئ ساحلية، لكل منها ميزة تنافسية خاصة:
- كيسمايو: تشتهر بصيد جراد البحر والأنواع القاعية والشعاب المرجانية.
- مقديشو: أكبر مركز استهلاكي وتوزيعي للأسماك الطازجة.
- إيل: تعتمد بشكل شبه كامل على الصيد الحرفي مع بنية تحتية محدودة.
- بارغال: معروفة بصيد التونة وبعض الأنواع البحرية الأخرى.
- بوليموغ: تركيزها على الأسماك السطحية الصغيرة.
- لاس كوري: مركز تاريخي لإنزال الأسماك والتجارة الإقليمية.
- بربرة: من أكبر موانئ إنزال وتصدير الأسماك في الصومال.
الفجوات البنيوية والتحديات التي تواجه الثروة السمكية في الصومال

1. ضعف البنية التحتية:
- نقص مرافق التخزين البارد يؤدي إلى خسائر تصل إلى 30-40% من إجمالي المصيد.
- ضعف شبكة الطرق والموانئ يرفع تكاليف النقل بنسبة 15-30%.
- معدات الصيد القديمة تحدّ من الإنتاجية والجودة.
- غياب مرافق المعالجة الحديثة يضطر المنتجين إلى بيع الأسماك كاملة دون أي قيمة مضافة.
2. التمويل والاستثمار:
- متطلبات ضمان عالية للقروض تصل إلى 150-200% من قيمة القرض.
- فجوات تمويلية تُقدّر بنحو 50-70 مليون دولار للبنية التحتية.
- تدفقات نقدية غير مستقرة بسبب الطبيعة الموسمية للصيد.
3. التحديات التنظيمية والسوقية:
- صعوبة إصدار تراخيص الصيد.
- انتشار ممارسات الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه (IUU) بتكلفة سنوية تصل إلى 306 مليون دولار.
- غياب الشهادات الدولية (مثل HACCP وISO) التي تسهّل الوصول للأسواق الكبرى.
- انخفاض استهلاك الأسماك محليًا إلى 2.4-3.3 كجم/فرد/سنة مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ 19 كجم.
اتفاقيات استراتيجية تدعم نمو الثورة السمكية في الصومال2025 حجر الأساس لمقر وزارة الثروة السمكية في الصومال

في مقديشو، وضع رئيس الوزراء حمزة عبدي بري حجر الأساس للمقر الجديد لوزارة الثروة السمكية، معتبرًا هذه الخطوة علامة فارقة نحو إطلاق العنان لإمكانات الثورة السمكية في الصومال او ما يعرف بالاقتصاد الأزرق.
وقال بري خلال الحفل: هذه المنشأة ستكون مركزًا للبحث والابتكار وبناء القدرات، وستساعد في تحويل ساحلنا إلى محرك للتنمية الوطنية والأمن الغذائي.
مذكرة تفاهم مع موانئ أبوظبي

أعلنت وزارة الثروة السمكية والاقتصاد الأزرق عن توقيع مذكرة تفاهم مع مجموعة موانئ أبوظبي بهدف تحديث القطاع البحري في الصومال.
محاور الاتفاقيه:
- تطوير الموانئ والبنية التحتية البحرية.
- إدخال حلول رقمية لعمليات الصيد والخدمات اللوجستية.
- الاستثمار في ممارسات الصيد المستدامة.
- برامج تدريب وتأهيل للمواطنين الصوماليين في إدارة الموانئ والهندسة البحرية.
وأكد وزير الثروة السمكية أكسيد حسآن عادان أن هذه الشراكة تشكل مرحلة تحولية للقطاع البحري، وتفتح الباب أمام تنمية اقتصادية مستدامة وتحسين سبل العيش للمجتمعات الساحلية.
اجتماع اليونيدو: نحو معايير عالمية للصادرات
التقى وزير الثروة السمكية أحمد حسن عدن مع ممثلي منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو)، لبحث تعزيز وصول المأكولات البحرية الصومالية إلى الأسواق الدولية والحصول على شهادات سلامة الأغذية اللازمة للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي.
وأكد عدن أن الحصول على شهادات الاتحاد الأوروبي سيُفتح أبوابًا جديدة أمام المصدرين الصوماليين، ويعزز مكانة منتجاتنا في الأسواق العالمية.
فرص الاستثمار الواعدة
1. مشاريع البنية التحتية:
- مرافق التخزين البارد: تحتاج إلى استثمارات بقيمة 20 مليون دولار بعائد استثماري سنوي يصل إلى 18-22%.
- تحديث أسطول الصيد: قوارب مجهزة بأنظمة تبريد وأدوات آلية.
- مراكز المعالجة: إنتاج منتجات عالية القيمة مثل التونة المعلبة وشرائح السمك.
2. تطوير سلسلة القيمة:
- تمويل معدات حديثة لزيادة الإنتاجية.
- تحسين شبكات النقل والتوزيع.
- بناء علاقات مباشرة بين الصيادين والأسواق.
- إطلاق علامة تجارية خاصة بالمأكولات البحرية الصومالية.
الأسواق العالمية والمحلية

الأسواق الخارجية:
- دول الخليج (السوق الرئيسي حاليًا).
- شرق آسيا (طلب متزايد على المنتجات عالية الجودة).
- الاتحاد الأوروبي (فرصة مربحة تتطلب التوافق مع المعايير الدولية).
السوق المحلي:
- رغم انخفاض استهلاك الأسماك، إلا أن الطلب يتزايد في المدن الكبرى مثل مقديشو، حيث يتجاوز الاستهلاك 9 أطنان يوميًا.
تدامة وحماية الموارد
لضمان مستقبل القطاع، يجب اعتماد ممارسات صيد مستدامة، مثل:
- فرض قيود على الكميات وأحجام الصيد.
- حماية مواسم التكاثر.
- إنشاء مناطق بحرية محمية.
- استخدام معدات صيد صديقة للبيئة.
تعرف المزيد: أسعار النفط ترتفع تحت ضغط العقوبات.. وروسيا في قلب العاصفة
نور التحول في الثروة السمكية في الصومال يضيء آفاق 2025
يمر قطاع الثروة السمكية في الصومال بمرحلة تحول غير مسبوقة في عام 2025، بفضل المشروعات الحكومية والشراكات الدولية. ومع توقيع مذكرة التفاهم مع موانئ أبوظبي، إلى جانب اتفاقيات أخرى، يقترب القطاع من التحول إلى محرك أساسي للنمو الاقتصادي، يخلق فرص عمل، يعزز الصادرات، ويضمن الأمن الغذائي للأجيال القادمة.