اعتقلت غارة أمريكية نوعية العقل المالي لتنظيم داعش في الصومال، في خطوة تعكس تصعيدًا أمريكيًا ملحوظًا ضد شبكات الإرهاب في القرن الأفريقي، أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) عن تنفيذ عملية عسكرية دقيقة استهدفت شبكة تنظيم داعش في شمال الصومال، أسفرت عن اعتقال أحد أبرز قادة التنظيم والمسؤول عن تمويل عملياته.
عملية تطيح بأهم رجال داعش في الصومال
في بيان موجز صدر يوم السبت، أكدت أفريكوم أن قواتها نفذت عملية ضد شبكة داعش الإرهابية في الصومال، من دون كشف تفاصيل إضافية عن مكان أو طبيعة العملية. لكن قوات دفاع بونتلاند ، التي تقود المواجهات المباشرة مع فرع تنظيم الدولة الإسلامية في شمال البلاد، أوضحت أن العملية استهدفت عبد الولي محمد يوسف، الملقب بـ”أمير التمويل”، الذي يُعد أحد أخطر الشخصيات في الهيكل المالي للتنظيم.
وأكدت مصادر بونتلاند أن يوسف اعتُقل مع اثنين من حراسه الشخصيين في منطقة نائية قرب مستوطنة “لاج” التابعة لمديرية إسكوشوبان، الواقعة بعيدًا عن مناطق المواجهات التقليدية في جبال كال ميسكاد، جنوب شرق مدينة بوساسو الساحلية.
الصندوق الأسود لتنظيم داعش في الصومال

يعد يوسف من أكثر الشخصيات نفوذًا لتنظيم داعش في الصومال. فبحسب وزارة الخزانة الأمريكية، التي أدرجته على قوائم العقوبات عام 2023، كان يشرف على تمويل المقاتلين الأجانب والإمدادات العسكرية للتنظيم، إضافة إلى دوره المحوري في إدارة الإيرادات ونقل الأموال لصالح داعش.
وبحسب مسؤولين في بونتلاند، فإن يوسف لم يقتصر نشاطه على الصومال فقط، بل كان يشرف على الشؤون المالية لمكتب “الكرار”، وهو المركز الإقليمي التابع لداعش المسؤول عن تنسيق عملياته المالية واللوجستية في مناطق واسعة من أفريقيا والشرق الأوسط.
مكتب الكرار: شبكة عابرة للقارات
يُعد مكتب الكرار أحد المراكز الأساسية التي يعتمد عليها داعش في إدارة موارده ودعم فروعه المنتشرة في أفريقيا، بما في ذلك فرعه في وسط أفريقيا (الكونغو وأوغندا) وفرعه في موزمبيق، إلى جانب شبكات دعم في كينيا، تنزانيا، وجنوب أفريقيا.
ولم يتوقف دور الكرار عند حدود القارة الأفريقية، إذ ساعد في فترات متفرقة شبكات داعش في اليمن، تركيا وأفغانستان، من خلال تقديم الدعم المالي والتقني واللوجستي. وكان المكتب الإقليمي تحت قيادة بلال السوداني، القيادي السوداني البارز في التنظيم، قبل أن يُقتل في غارة أمريكية في يناير 2023، والتي كانت آخر عملية برية كبيرة لأمريكا في شمال الصومال حتى يوم أمس.
ضربة موجعة للتنظيم

يعتبر اعتقال يوسف ضربة استراتيجية غير مسبوقة لقيادة تنظيم الدولة الإسلامية (ISS) في الصومال، حيث يُعد الرجل من القلائل الذين نجوا من موجات الهجمات السابقة. ويأتي هذا التطور في ظل تصاعد الخسائر التي يتكبدها التنظيم، حيث خسر عددًا من قادته الميدانيين خلال العمليات المكثفة التي نفذتها قوات بونتلاند مؤخرًا، إضافة إلى مقتل قيادي عماني بارز في ضربة جوية أمريكية بطائرة مسيّرة أوائل هذا العام.
دور الولايات المتحدة والإمارات في المواجهة

الولايات المتحدة، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، تقدم دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا واسعًا لقوات بونتلاند في حربها ضد داعش في الصومال. وتشير بيانات مجلة “لونغ وور جورنال” التابعة لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى أن القوات الأمريكية نفذت منذ بداية العام ما لا يقل عن 32 غارة جوية على أهداف تابعة لداعش في شمال الصومال، في حين شنت الإمارات 19 غارة جوية أخرى على الأقل، رغم أن بعض العمليات الإماراتية لا يتم الإعلان عنها رسميًا.
تصعيد عسكري بقيادة ترامب
منذ عودته إلى البيت الأبيض، عزز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من حجم العمليات العسكرية في الصومال، مستهدفًا تنظيم القاعدة وحركة الشباب، فرع القاعدة في شرق أفريقيا. وتوضح البيانات المتاحة أن القوات الأمريكية نفذت ما لا يقل عن 22 غارة جوية خلال الأشهر الأخيرة ضد مواقع حركة الشباب، إلى جانب استمرار عملياتها النوعية التي تستهدف خلايا تنظيم داعش في الصومال.
أهمية المعلومات التي يحملها يوسف
في حال تأكدت التقارير التي تفيد بأن يوسف كان يتولى منصبين بارزين، أحدهما المسؤولية المالية في مكتب الكرار والآخر إدارة الشؤون المالية لجهاز الأمن الداخلي لداعش، فإن اعتقاله قد يكشف عن معلومات حساسة. هذه المعلومات من شأنها إحداث ارتباك كبير في شبكات التمويل التابعة للتنظيم في أفريقيا وخارجها، وربما تسهم في تسريع انهيار بعض فروعه في المنطقة.
هل ينهار داعش بعد هذه الضربة؟
يرى محللون أن اعتقال “الصندوق الأسود” لتنظيم داعش في الصومال يمثل أقوى ضربة للتنظيم منذ سنوات، إذ يستهدف نقطة ضعفه الكبرى: تمويله وشبكات إمداده. ومع خسارة شخصية بهذا الحجم، تتزايد التساؤلات حول قدرة التنظيم على مواصلة عملياته وسط حصار مالي متزايد، وغارات جوية لا تتوقف.
تعرف المزيد: بالفيديو | مغاربة مهددون بالإعدام في الصومال.. ما القصة؟
تشهد الحرب ضد داعش في الصومال تحولًا لافتًا، حيث باتت الضربات الأمريكية وقوات بونتلاند أكثر دقة واستهدافًا لقيادات التنظيم المالية واللوجستية. ويُعد اعتقال “العقل المالي” لتنظيم داعش في الصومال خطوة استراتيجية قد تعرقل تدفق التمويل وتفكك شبكات الإمداد، ما يهدد نشاط التنظيم ليس فقط داخل الصومال، بل في عموم القرن الأفريقي.
ويعكس هذا الإنجاز حجم التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والإمارات وقوات بونتلاند، وهو تحالف يبرهن على فعاليته في محاصرة الإرهاب، ويمهد لإستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى السيطرة علي قدرات داعش من الداخل.