في تحول لافت يعكس قدرة النازحين والمشردين على الصمود والتكيّف مع الظروف المعيشية القاسية، تمكن العديد منهم، خصوصًا في مدينة بيدوا جنوب غرب البلاد، من تحقيق الاكتفاء الذاتي وإعالة أسرهم من خلال المشاريع الصغيرة في الصومال، وذلك بعد توقف المساعدات النقدية التي اعتمدوا عليها لسنوات.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في مايو/أيار الماضي أنها اضطرت إلى مراجعة خططها الإغاثية في الصومال واليمن بنسبة تتجاوز 50%، نتيجة التخفيضات العالمية في تمويل العمليات الإنسانية. وأوضح مكتب المتحدث باسم المنظمة أن خطة الاستجابة الجديدة ستستهدف 1.3 مليون شخص فقط، بانخفاض يفوق 70% مقارنة بالمستفيدين في بداية العام (4.6 ملايين شخص)، كما تم تخفيض الميزانية من 1.4 مليار دولار إلى 367 مليون دولار فقط.
عم البنوك المحلية والهيئات الإغاثية

لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالأسر المتضررة من الجفاف والكوارث البيئية منذ عام 2011، أطلقت البنوك المحلية في مقديشو برامج قروض ميسرة لدعم المشاريع الصغيرة في الصومال. كما تنفذ هيئات إغاثية مثل مكتب العون المباشر (الكويتي) مشاريع تنموية مثل “أغنوهم عن السؤال”، التي ساهمت في تحسين أوضاع مئات الأسر الفقيرة ومنحها فرصة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
قصص نجاح ملهمة
عكس المشاريع الصغيرة في الصومال نماذج حقيقية لقصص نجاح ملهمة، حيث استطاع العديد من النازحين والمشردين تحويل حياتهم من الاعتماد على المساعدات إلى الاكتفاء الذاتي.

- حسن إبراهيم عبدي (75 عامًا): استطاع إطلاق مشروع تجاري بسيط برأسمال 3000 دولار ادخرها على مدى خمس سنوات من المساعدات الشهرية. اليوم يحقق دخلاً يوميًا يتراوح بين 8 و10 دولارات، كما اشترى أربعة رؤوس ماشية ويأمل الانتقال إلى سكن دائم.
- علي محمد إبراهيم: أنشأ متجرًا صغيرًا للمواد الغذائية والخردوات، بدخل يومي يبلغ 9-10 دولارات، وتمكن من سداد ديون قدرها 400 دولار خلال عام.
- إبراهيم محمد يوسف (29 عامًا): أسس مشروعًا لبيع الخضروات بمبلغ 540 دولارًا، ويحقق الآن 6-7 دولارات يوميًا، ما مكنه من إعالة أسرته وتغطية نفقاتهم الصحية والتعليمية.
المشاريع الصغيرة في الصومال .. قوة دافعة للاقتصاد
تُعتبر المشاريع الصغيرة المدرة للدخل من أكثر الحلول فاعلية في مواجهة الفقر والبطالة داخل الصومال. ويؤكد أستاذ الاقتصاد بجامعة الصومال عبدالعزيز إبراهيم أن هذه المشاريع تسهم في:
- خلق فرص عمل للشباب والنساء.
- تعزيز الاقتصاد المحلي وتنشيط الأسواق.
- منح الأسر استقلالية اقتصادية واستعادة الكرامة.
- تمكين المرأة الصومالية من دور اقتصادي أكبر.
تحديات اقتصادية وتنموية
تعاني الصومال من مزيج من التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعيق مسار التنمية، مع بقاء دخل الفرد السنوي عند 1135 دولارًا فقط (بحسب البنك الدولي)، وهو من أدنى المعدلات عالميًا، ما يعكس حجم الفجوة التنموية التي يواجهها الشعب الصومالي

خلفية اقتصادية صومالية
على الرغم من الاضطرابات المدنية والحرب الأهلية المستمرة، حافظت الصومال على اقتصاد غير رسمي يعتمد على الثروة الحيوانية، التحويلات المالية من المغتربين، وقطاع الاتصالات. وتصنّف الأمم المتحدة الصومال ضمن أقل البلدان نموًا، حيث يعتمد معظم السكان على الزراعة والرعي كمصدر رئيسي للعيش، في وقت بدأت فيه المشاريع الصغيرة في الصومال تلعب دوراً متزايداً في دعم الاقتصاد المحلي وتحسين معيشة الأسر الفقيرة.
ونظرًا لغياب الإحصاءات الحكومية الدقيقة، يصعب تحديد حجم الاقتصاد بدقة، إلا أن تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أشارت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ نحو 3.3 مليارات دولار عام 1994، وارتفع إلى 4.1 مليارات دولار عام 2001، ثم إلى حوالي 5.7 مليارات دولار بحلول 2009، مع معدل نمو سنوي تقديري يصل إلى 2.6%.
كما شهد القطاع الخاص نموًا ملحوظًا، خاصةً في قطاع الخدمات، بفضل استثمارات الشتات الصومالي، إضافة إلى إسهام المشاريع الصغيرة في الصومال في خلق فرص عمل وتنشيط الأسواق المحلية. ومع ذلك، لا تزال مؤشرات التنمية متدنية، إذ بلغ مؤشر التنمية البشرية 0.285 عام 2012، وهو من أدنى المعدلات عالميًا. وتشير بيانات البنك المركزي إلى أن 80% من السكان بدو رحل أو شبه رحل، ما يجعل الاقتصاد الصومالي مزيجًا من الإنتاج التقليدي والحديث مع تحول تدريجي نحو تقنيات أكثر تطورًا.
تعرف المزيد: الغارات الأمريكية في الصومال 2025: شراكة أمنية أم تصعيد إقليمي؟
المشاريع الصغيرة في الصومال… طريق نحو الاستقلال الاقتصادي
تمثل المشاريع الصغيرة في الصومال خيارًا عمليًا ومستدامًا لتقليل الفقر والبطالة بين الفئات الأكثر هشاشة، خصوصًا النازحين والمشردين. فهي تمنح الأسر القدرة على بناء مصدر دخل ثابت بعيدًا عن الاعتماد على المساعدات الدولية، وتساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي وتحقيق التنمية المجتمعية. ومع الدعم المتزايد من البنوك المحلية والهيئات الإغاثية، تتجه هذه المشاريع لتكون حجر الزاوية في بناء مستقبل اقتصادي أكثر استقرارًا للصومال.