تعد أزمة الصحة النفسية في الصومال واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية، حيث تشير التقديرات إلى أن واحدًا من كل ثلاثة مواطنين يعاني من أحد أشكال الاضطرابات النفسية. وعلى الرغم من هذا التزايد إلا أنها مهملة ومنسية، وما يترتب عنها من آثار مدمرة للجسد والروح في صمت.
أسباب تفاقم أزمة الصحة النفسية في الصومال
غياب الاستقرار السياسي
أدت الصراعات الداخلية، وضعف المؤسسات، ونشاط الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب، إلى تدهور الاستقرار السياسي نتج عنه زيادة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية مما انعكس بشكل مباشر علي الصحة النفسية.
الحرب الأهلية المستمرة
في بيئة من الحروب الطويلة والتدمير المستمر، نتج عنها أزمات نفسية واضطرابات جماعية كالقلق، والتوتر والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة.
ضعف خدمات الصحة النفسية
في ظل بنية تحتية هشة للخدمات الصحية تفتقد الدعم والتطور، أدت إلى حرمان الكثيرين من الحصول على التشخيص المناسب وتوفير الدعم والعلاج المناسب لهم وكذلك الاهتمام بهم، ما تسبب بالتأكيد في تفاقم أزمة الصحة النفسية في الصومال.
الكوارث الطبيعية المتكررة
تعرضت الصومال لموجات متكررة من الجفاف، والفيضانات، والمجاعات، التي عملت على تفاقم الأزمة وانتشار الفقر وسوء التغذية حيث تركت بصمتها على الصحة النفسية للسكان.
نظرة المجتمع الصومالي للمرضى النفسيين ..الوصمة المجتمعية
المؤلم أن المجتمع ما زال ينظر إلى المرضى النفسيين بعين الريبة والعار، فلا رحمة تمنح لهم، فهي صرخة لا تسمع، حيث أن المجتمع يرى المريض النفسي على أنه مجنون أو به ضعف بالإيمان وهذا ينافي تشخيص المرض النفسي، مما جعل الكثير من الشباب يخشون الإفصاح أو الحديث عن الإكتئاب والقلق خشيةً من السخرية أو الاستهزاء.
بل ما يزيد الأمر سوء في تفاقم أزمة الصحة النفسية في الصومال، هو أن أغلب الحالات تعالج عند الشيوخ أو بالعزل، بدلًا من العلاج العلمي الأكاديمي.
خطوات علاج أزمة الصحة النفسية في الصومال
لا يحتاج الصومال فقط إلى علاج، بل إلى اعتراف. إلى قناعة راسخة بأن الصحة النفسية ليست ترفًا، بل ركن أساسي في بناء مجتمع سليم ومتقدم. عن طريق تطوّر الخدمات النفسية، وكسر حاجز الوصمة، نكون بذلك قد خطونا أولى خطوات الإنقاذ.
أولًا: تعزيز الوعي المجتمعي بأزمة الصحة النفسية
إن كسر حاجز الصمت يبدأ من رفع الوعي، وذلك من الممكن أن يتم من خلال الآتي:
- حملات توعية شاملة: يجب إطلاق حملات توعوية منتظمة لتعريف الناس بأهمية الصحة النفسية، وكيفية التعرّف على العلامات المبكرة للمشاكل النفسية، وتشجيع طلب المساعدة دون خجل أو خوف.
- برامج تثقيفية: إدماج موضوعات الصحة النفسية في المناهج الدراسية، ومواد الإعلام، وبرامج التدريب المهني، بهدف بناء فهم عميق يبدأ منذ الصغر.
- مشاركة مجتمعية فعالة: إشراك الأهالي، والشباب، والفاعلين المحليين في أنشطة ومبادرات تعزز الوعي وتواجه المفاهيم المغلوطة.
ثانيًا: التوسع في خدمات الدعم النفسي.
الوصول إلى المساعدة في الصحة النفسية في الصومال يجب أن يكون حقًا للجميع، ومن الممكن عمل ذلك من خلال اتباع الخطوات التالية:
- إنشاء مراكز متخصصة: توفير مراكز صحة نفسية في مختلف الأقاليم، تضمن التشخيص والعلاج والمتابعة.
- دعم داخل المؤسسات اليومية: توفير خدمات الدعم النفسي في المدارس، والمساجد، والمستشفيات والمراكز المجتمعية، لجعل الخدمة أقرب للناس.
- خدمات رقمية: استثمار التكنولوجيا لإيصال الدعم النفسي عبر الإنترنت، خاصةً لسكان المناطق النائية.
- برامج خاصة للنازحين واللاجئين: توفير دعم نفسي واجتماعي مخصص للفئات المتأثرة بالنزاعات والتشريد، وهم الأكثر عرضة للاضطرابات.
ثالثًا: تأهيل الكوادر الطبية والنفسية
لا يتصور صحة نفسية بلا أيدٍ خبيرة ومتدربة، لهذا فمن الضروري توفير التالي:
- برامج تدريب مستدامة: إعداد وتطوير برامج متخصصة لتأهيل الأطباء، الأخصائيين النفسيين، والمساعدين الاجتماعيين.
- شراكات دولية: التعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات الصحية لتبادل الخبرات وتحديث المعرفة.
- دعم الكفاءات المحلية: تشجيع الكوادر المحلية على الانخراط في مجال الصحة النفسية من خلال توفير فرص عمل ومزايا تشجيعية.
رابعًا: تطوير البنية التحتية للرعاية النفسية
نحتاج إلى نظام صحي متكامل لا ينسى العقل، ولهذا يجب توفير الآتي:
- تمويل وتخصيص موارد: تأمين التمويل اللازم وتوجيهه نحو بناء نظام صحي نفسي قوي، وذلك لحل أزمة الصحة النفسية في الصومال.
- توفير الأدوية والأجهزة: ضمان وصول الأدوية الأساسية والمعدات اللازمة للتشخيص والعلاج.
- بناء وتطوير المرافق: تحسين المراكز القائمة، وإنشاء مؤسسات جديدة في المناطق التي تفتقر للخدمة.
خامسًا: إشراك المجتمع كحليف أساسي
المجتمع ليس متلقيًا فقط، بل شريكًا في الحل أزمة الصحة النفسية وكل الأزمات، هذا لن يأتي إلا من خلال الخطوات التالية:
- التعاون مع القيادات المحلية: توظيف تأثير الأئمة والشيوخ لتغيير النظرة المجتمعية نحو المرض النفسي وانتشاله من فكرة أن المريض النفسي مجنون او عندة نقص في الإيمان.
- تمكين الشباب: فتح المجال أمام الشباب لقيادة مبادرات التوعية والدعم النفسي مما يزيد من ثقتهم بنفسهم.
- دعم وتأهيل النساء: تقديم الدعم للنساء اللاتي يتحملن أعباءً نفسية مضاعفة بسبب الظروف المجتمعية والاقتصادية المختلفة.
تعرف المزيد على: معركة المساهمين مع إدارة ميتا.. 8 مليارات دولار تُنهي الجدل
لن تتحقق نهضة صحية حقيقية في الصومال دون أن تكون الصحة النفسية في الصومال جزءًا أصيلًا من هذه الرؤية. إن بناء مجتمع يتمتع بالسلام النفسي يحتاج إلى شراكة شاملة بين الدولة، والمؤسسات، والمجتمع المدني، والأفراد أنفسهم. فالأمر لا يتعلق فقط بعلاج المرضى، بل ببناء مجتمع يتقبل، ويدعم، ويمنح الأمل. إنها ليست رفاهية، إنها مسؤولية تأخرت كثيرًا.