في تصعيد جديد يزيد من الصراع بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات الإقليمية، تفجّرت أزمة سياسية حادة بين ولاية بونتلاند وإقليم خاتمو، بسبب شرعية خاتمو، بعد إعلان مقديشو اعتماد الأخيرة كولاية رسمية ضمن النظام الفيدرالي.
الخطوة، التي رآها البعض انتصارًا لمطالب المجتمعات المحلية في شمال شرق البلاد، اعتبرتها بونتلاند تجاوز خطير للخطوط الحمراء وانتهاك للدستور، لتزيل الستار عن صراع خافت دائما كان محصورًا خلف الكواليس .
خلفية الصراع.. توتر تاريخي يتجدد
الخلاف بين بونتلاند وخاتمو ليس جديدًا، بل يعود إلى أكثر من عشرين عامًا، ويتمحور حول السيطرة على منطقتي سول وسناغ الحدوديتين، اللتين تكتسبان أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة لكلا الطرفين.
بونتلاند، التي تأسست عام 1998 كأول ولاية فيدرالية في البلاد، تعتبر أن هذه المناطق جزء من نطاقها الإداري التاريخي، وتستند في ذلك إلى الدستور المحلي وإرث قبائل دولبهانتا المشاركة في تأسيسها.
من جهتها، تؤكد خاتمو أن المعادلات السياسية والاجتماعية في المنطقة قد تغيّرت، وترى أن من حقها تشكيل إدارة مستقلة تعبّر عن تطلعات سكانها والحصول على شرعية خاتمو، بعيدًا عمّا تصفه بأنه تهميش متعمّد من جانب بونتلاند.
بونتلاند تحذر من خطر أمني
وصف بيان رسمي صادر عن وزارة الداخلية في بونتلاند اعتراف مقديشو بإدارة شرعية خاتمو، بأنه لا يستند إلى أي أساس قانوني أو دستوري، معتبره إياه محاولة لفرض واقع جديد على الأرض دون تشاور أو توافق.
أبرز ما جاء في بيان بونتلاند
“محاولة فرض إدارة جديدة في مناطقنا التاريخية تُعد تهديد مباشر لاستقرار الإقليم”.
قد تفتح هذه الخطوة الباب أمام جماعات متطرفة، مثل حركة الشباب وتنظيم “داعش”، للتوسع والتمدد في المنطقة، مستغلين حالة الارتباك السياسي والانقسام الداخلي.
“مناطق سول وسناغ جزء لا يتجزأ من بونتلاند منذ تأسيسها، وسكانها شاركوا في صياغة هويتنا السياسية”.
ورغم اللهجة الحادة، لم تغلق بونتلاند باب الحوار، بل دعت إلى مؤتمر تشاوري يضم شيوخ ومثقفي قبائل دولبهانتا، بشرط الالتزام بالإجراءات القانونية والدستورية التي تنظم تشكيل الإدارات داخل الولاية.
خاتمو ترد: نحن ولاية فيدرالية شرعية
في المقابل، جاء رد إدارة خاتمو سريعًا وحاسمًا، حيث أعلن محمد إسماعيل شيني، نائب رئيس الإدارة، أن خاتمو أصبحت ولاية فيدرالية شرعية “شرعية خاتمو”، لا مجال للتشكيك في وجودها.
تصريحات خاتمو الرسمية
بيان بونتلاند مؤسف ويتنافى مع روح النظام الفيدرالي.
“مطالبنا نابعة من إرادة شعبية تم التعبير عنها عبر مؤتمر لاسعانود، الذي حضرته الحكومة الفيدرالية وممثلون عن العشائر”.
خاتمو ليست تهديدًا لبونتلاند، بل إطار لشراكة فيدرالية عادلة تحفظ حقوق الجميع.
مؤتمر لاسعانود يعيد ترتيبات مسار الأزمة
انعقد مؤخرًا مؤتمر سياسي موسع في مدينة لاسعانود، العاصمة الإدارية لإقليم سول، شارك فيه:
- وفد رسمي من الحكومة الفيدرالية.
- زعامات عشائرية من قبائل المنطقة.
- ممثلون عن المجتمع المدني والسياسي المحلي.
كان الهدف المعلن من المؤتمر وضع الترتيبات السياسية والإدارية لتحويل خاتمو من ولاية مؤقتة إلى ولاية فيدرالية رسمية، ضمن إطار الدستور الصومالي والنظام الفيدرالي المعتمد.
اعتراف فيدرالي بشرعية خاتمو وتصعيد على المحك
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت الحكومة الصومالية، بقيادة الرئيس حسن شيخ محمود، أنها ماضية في الاعتراف بإدارة شرعية خاتمو، باعتبارها استحقاقًا شعبيًا وسياسيًا.
لكن هذا الاعتراف بشرعية خاتمو، أثار حفيظة بونتلاند، التي رأت فيه محاولة لإعادة رسم الجغرافيا السياسية وتقليص نفوذها في الشمال الشرقي.
موقف المراقبين
أن الخطوة تعكس تصاعد مركزية القرار في مقديشو، على حساب ما كان يُعتبر “توازنًا تشاوريًا” مع الولايات.
غياب آلية واضحة لتشكيل الكيانات الفيدرالية يفتح الباب أمام أزمات مشابهة في المستقبل.
الصراع قد يتحول إلى نزاع مسلح في حال فشل جهود التهدئة.
خطر الفراغ الأمني
أشارت التحذيرات التي وردت في بيان بونتلاند إلى خشية حقيقية من أن يفتح هذا التصعيد الباب أمام:
- انهيار مؤسسات الحكم المحلي في مناطق التنازع.
- تغلغل التنظيمات المتطرفة التي تتربص بالفراغات السياسية.
- عودة النزعات الانفصالية في عدد من الأقاليم الآخرى، التي باتت تنظر إلى تجربة “خاتمو” كسابقة قد تتكرر، ما يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات مماثلة تهدد وحدة النظام الفيدرالي في البلاد.
هل يفقد النظام الفيدرالي تماسكه؟
ما بين الرغبة في الاعتراف بإرادة المجتمعات المحلية، والحاجة للحفاظ على وحدة النظام الفيدرالي، يجد الصومال نفسه أمام معضلة معقدة تهدد مستقبل التعايش السياسي بين المركز والأقاليم.
ومع غياب محكمة دستورية مستقلة أو هيئة ضامنة لتفسير الخلافات بين الحكومة والولايات، يبقى الصراع مفتوحًا على مصراعيه وتحليلات مختلفة واردة، من التهدئة المؤقتة إلى الانفجار الكامل.
وحدة الصومال علي شفا حفرة من الانهيار
لا تقتصر أزمة شرعية خاتمو وبونتلاند، على خلاف حدودي أو إداري فحسب، بل تمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى تماسك النظام الفيدرالي الصومالي، الذي نشأ في بيئة سياسية هشة ولا يزال يفتقر إلى توافق وطني شامل يدعمه ويضمن استقراره.
تعرف المزيد على: الهجوم الإسرائيلي على سوريا.. ماهي الأسباب والأهداف؟
وإذا لم تسارع الحكومة الفيدرالية إلى إطلاق حوار سياسي وطني شامل يضم جميع الولايات والمكونات المجتمعية، فإن خطر تفاقم الانقسامات سيزداد، ما قد يعيد البلاد إلى مرمى الانقسام والصراعات المحلية، في وقت هي بأمسّ الحاجة فيه إلى التماسك والاستقرار لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية المتصاعدة.