شهد العالم في السنوات الأخيرة، ثورة تقنية كبرى في قطاع المال والأعمال، وأصبحت العملات الرقمية من أبرز الابتكارات تُغير شكل الاقتصاد العالمي في العصر الحديث.
ما هي العملات الرقمية؟
العملة الرقمية (Digital Currency)، وتعرف أيضًا بـ”العملة الإلكترونية”، هي أحد أشكال النقود التي يستخدمها الأفراد وتوجد بصورة رقميّة فقط دون أيّ وجود مادي ملموس.
لا يستطيع المستخدمون الوصول إليها أو استخدامها إلا من خلال المحافظ الإلكترونية أو الأنظمة والشبكات المخصصة لها عبر الإنترنت. وعلى عكس الأوراق النقدية والعملات المعدنية التي تحمل خصائص ومواصفات مادية معينة، ولا يمكن استخدامها أو التعامل بها إلّا بالحيازة الفعلية. أي أنها أشكال جديدة من المال تستخدم لإجراء المعاملات عبر الإنترنت دون الحاجة إلى وسطاء تقليديين.
تحظى هذه العملات بشعبية متزايدة، حيث تمكنت من جذب انتباه الحكومات، والبنوك المركزية، والأفراد على حد سواء، مما جعلها تعتبر على نطاق واسع ثورة في النظام المالي العالمي.
أنواع العملات الرقمية
تقسم العملات إلى عِدَّة أنواع، لكلٍّ منها خصائص واستخدامات معيَنة، فمنها ما هو مركزيّ، أي تصدرها وتشرف عليها جهة مركزية رسميّة، مثل: البنوك المركزية، أو الحكومات؛ ومنها كذلك ما هو لا مركزيّ، أي لا تخضع لأيّ سلطة مركزية رسميّة، وتنشِئها جهات خاصّة؛ كما أنّ بعضها يمكن أيضًا الاستثمار فيها وتداولها لتحقيق الأرباح، وذلك لقيمتها السوقية الكبيرة.
بعضها يقتصر استخدامه في المعاملات التجارية، للدفع مقابل السِّلَع والخدمات من مختلف أنحاء العالم بسرعةٍ كبيرة، وفي غضون ثوانٍ معدودة. بشكلٍ عام، هناك أربعة أنواع رئيسة من العملات الرقمية، وهي على النحو الآتي:
أولًا: العملات المُشفَّرة Cryptocurrencies:
يصنف الخبراء إنّ جميع العملات المُشفَّرة (Cryptocurrencies) هي عملات رقمية، إلّا أنّ العملات الرقمية ليست جميعها عملات مشفرة؛ ذلك لأن العملات المشفرة تعتمد في عملها على تقنية سلسلة الكتل، أو التي يطلق عليها المختصون اسم “البلوك تشين Blockchain”.
تعمل البلوك تشين ببساطة كقاعدة بيانات مشفرة، فمن خلالها ينشىء المستخدمون سِجلًا موثوقًا لبيانات المعاملات الخاصة بهم، وبالتالي يتمكنون بذلك من اتمامها مباشرةً بين طرفَي المعاملة، المرسل والمستقبل مثلًا، دون الحاجة إلى جهةٍ ثالثة مشرفة، ممّا يجعلها آمنة ومَحمِيّة من التلاعب أو الاحتيال إلى حدٍّ كبير.

ومن أبرز الأمثلة على العُملات المُشفَّرة:
- عملة بيتكوين (Bitcoin) التي أطلقت في عام 2009، وهي أوّل عُملة مشفرة والأكثر شيوعًا حتى الآن.
- عملة إيثريوم (Ethereum)، وعملة لايتكوين (Litecoin).
ثانيًا: العملات الرقمية للبنوك المركزية CBDCs:
تعَد للبنوك المركزية (CBDCs) نسخًا رقميةً من العملات الرسمية لبلدٍ ما، يصدرها البنك المركزي، ويشرف على استخدامها، وهي تشبه العملات الورقية أو المعدنية الخاصّة بذلك البلد.
تعد العملة الرقمية للبنك المركزي أكثر أمانًا وسرعة لإتمام عمليات الدفع في المعاملات الإلكترونية المحلية، أو عبر الحدود وبتكلفةٍ منخفضة، دون الحاجة إلى وسيط، مثل البنوك أو شركات البطاقات الائتمانية.
ثالثًا: العملات المستقرَّة StableCoins:
تُعد العملات المُستقِرَّة (StableCoins) أحد أنواع العملات المُشفَّرة، ولكنَّها مُصمَّمة لتكون ذات قيمة مُستقِرَّة ومرتبطة بأصولٍ ثابتة.
كما في العملات التقليدية الورقية أو الذهب، ممّا يجعلها أكثر استقرارًا وأقلّ تقلُّبًا في السوق مقارنةً بالعملات المُشفَّرة التقليدية من مثل البيتكوين.
من أبرز الأمثلة على العملات الرقمية المُستقِرَّة:
- عملة التيثر (Tether).
- عملة دولار بينانس (Binance USD).
رابعاً: العملات الافتراضية VirtualCurrencies:
تُعد العملات الإفتراضية (Virtual Currencies) من أنواع العملات الرقمية غير المُنظَّمة. إذ أنها لا تخضع لقوانين محددة، أو لسلطة مركزية، أو لجهة تنظيمية بعينها، وبالتالي فإن مطوريها هم وحدهم يصدرونها ويتحكمون فيها.
تستخدم العملات الافتراضية إما من قبل أعضاء مجتمعٍ افتراضيّ، أو تستخدم في الألعاب الإلكترونية.

سمات العملات الرقمية
تتسم بالتقنية اللامركزية، حيث يعتمد على تقنية بلوكتشين لضمان أمان المعاملات وشفافيتها.
تضمن هذه التقنية تحقيق تسجيل ثابت وموثق لجميع الحركات المالية، الأمر الذي يزيد من ثقة المستخدمين في النظام. مثل البيتكوين والإيثيريوم ليست مجرد بدائل للنقود التقليدية، بل تعد ابتكارًا يعيد تعريف مفهوم المال نفسه. أيضًا، توفر هذه العملات فرصًا جديدة للمستثمرين ورأس المال الرقمي.
طريقة إنشاء العملات الرقمية
يتم إنشاء العملات الرقمية من خلال عمليات تعرف بالتعدين. التعدين هو العملية التي من خلالها يتم التحقق من صحة التعاملات على الشبكة وإضافة جميع التفاصيل المتعلقة بها على شكل كتلة تضاف إلى سلاسلِ الكتل الأخرى الموجودة على البلوكتشين.
ويطلق على كل مستخدم يقوم بالتحقق من المعاملات اسم “المعدن”.
بعض العملات الأخرى يتم انشاؤها بطرق مختلفة مثل إصدار مركزي او توزيع مسبق دون تعدين.
تأثير العملات المشفرة على الاقتصاد
تؤثر العملات المشفرة على الاقتصاد العالمي بشكل كبير ومتعدد الجوانب، حيث يشمل فرصًا وتحديات على حد سواء. فمن بين أبرز هذه الفرص:
- تسهيل المعاملات عبر الحدود، وتقليل التكاليف، وزيادة الكفاءة في التجارة.
- تعزيز النظام الشمول المالي، كما يوفر وسائل جديدة لحفظ القيمة.
أما التحديات فهي تتمثل في:
- التقلبات السعرية، والمخاطر القانونية والتنظيمية، واحتمالية الاستخدام غير المشروع.
- التأثير على السياسة النقدية، واستهلاك الطاقة في تعدين العملات.
إيجابيات وسلبيات العملات الرقمية
الإيجابيات:
- تسهيل المعاملات عبر الحدود: حيث انها تتيح للشركات والأفراد إجراء معاملات مالية دولية بسرعة وبتكلفة أقل، مما يعزز التجارة العالمية ويسهل الوصول إلى الأسواق.
- تقليل تكاليف المعاملات: بالمقارنة مع الأنظمة المصرفية التقليدية، غالبًا ما تكون تكلفة المعاملات بالعملات الرقمية أقل، خاصةً في المعاملات الدولية.
- زيادة الكفاءة: العملات الرقمية يمكن أن تسرع عملية التسوية وتزيد من كفاءة المعاملات، مما يعزز النشاط الاقتصادي.
- تعزيز الشمول المالي: توفر كذلك فرصة للأفراد الذين لا يتعاملون مع البنوك (غير المصرفيين) للانخراط في النظام المالي الرسمي، مما يعزز الشمول المالي.
السلبيات:
- وسائل جديدة لحفظ القيمة: إذ يمكن لها أن تكون وسيلة لتخزين القيمة، وذلك خاصة في البلدان التي تعاني من التضخم أو تعانى من عدم الاستقرار الاقتصادي.
- التقلبات السعرية: أسعارها متقلبة للغاية، مما يجعلها استثمارًا عالي المخاطر.
- المخاطر القانونية والتنظيمية: لا تزال العديد من الدول غير واضحة بشأن كيفية التعامل معها، مما يثير مخاوف قانونية وتنظيمية.
- الاستخدام غير المشروع: يمكن استخدامها أيضا في أنشطة غير قانونية مثل تمويل الإرهاب وغسيل الأموال، مما يثير قلق الجهات الرقابية.
- التأثير على السياسة النقدية: قد يؤدي انتشارها إلى تقليل فعالية أدوات السياسة النقدية، مما يتطلب من البنوك المركزية التكيف مع هذا التطور.
- استهلاك الطاقة: تتطلب عمليات تعدين بعض العملات الرقمية، مثل البيتكوين، كميات كبيرة من الطاقة، مما يثير مخاوف بيئية.

نظرة بعض الدول في العملات الافتراضية
- إيران: تستخدم إيران العملات الرقمية للتهرب من العقوبات الاقتصادية، وزيادة احتياطياتها، وتعزيز التجارة مع الدول الخاضعة للعقوبات.
- مصر: تفكر مصر في إصدار عملة رقمية للبنك المركزي، مع فتح الباب أمام البنوك لطرح الجنيه الإلكتروني.
- الجزائر: توصي الدراسة بضرورة أن تواكب الجزائر التطورات في مجال العملات الرقمية وتوفير متطلبات تبنيها.
تعرف المزيد على: تعزيز التعاون بين السعودية والصومال في الاقتصاد الأزرق محور لقاء رسمي في مقديشو
تعتبر العملات الرقمية ثورة في عالم المال، حيث توفر فرصًا واعدة لتحسين كفاءة المعاملات المالية وتوسيع نطاق الشمول المالي، إلا أنها تحمل في الوقت نفسه مخاطر كبيرة يجب معالجتها من خلال وضع أطر تنظيمية مناسبة وتوعية المستخدمين.