في قلب القرن الإفريقي، يشتد التنافس الدولي على النفوذ الأجنبي في الصومال، حيث تلتقي المصالح الجيوسياسية لكل من الولايات المتحدة، والصين، وتركيا في معركة هادئة لكن شرسة على مستقبل بلد يتأرجح بين الأمل والتحالفات المتغيرة. فما هي أبعاد هذا التنافس؟ وما الدور الذي تلعبه أرض الصومال في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية؟
تحولات في الموقف الأميركي
لطالما التزمت الولايات المتحدة بدعم وحدة الصومال، رافضة الاعتراف بمنطقة “أرض الصومال” التي أعلنت استقلالها من جانب واحد عام 1991. لكن في الآونة الأخيرة، بدأ الحديث في واشنطن عن مراجعة هذه السياسة التقليدية، في ضوء تنامي النفوذ الصيني والتركي في الصومال.
أرض الصومال، على الرغم من عدم الاعتراف الدولي بها، تُقدّم نفسها كشريك ديمقراطي مستقر في منطقة مضطربة، ورفضت أي تعاون مع الصين، بل وأقامت علاقات رسمية مع تايوان منذ عام 2020، مما جذب انتباه الولايات المتحدة الباحثة عن بدائل إستراتيجية موثوقة.
تصاعد النفوذ الصيني والتركي
في المقابل، عمّقت الحكومة الصومالية الفيدرالية تحالفاتها مع بكين وأنقرة. الصين أبدت اهتمامًا ببناء محطات مراقبة فضائية في الصومال، بينما عززت تركيا وجودها عبر أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في مقديشو، التي تقوم بتدريب القوات الصومالية وتشكّل قاعدة انطلاق لتوسعات أنقرة في المحيط الهندي.
مؤخرًا، بدأت تركيا التحضير لنشر 3 إلى 5 كتائب من القوات الخاصة المزودة بطائرات مسيّرة، في عملية تستهدف “حركة الشباب” المسلحة، مع هدف ثانوي يتمثل في تأمين قاعدة بحرية وفضائية مستقبلية في البلاد، ضمن مشروع أوسع لتوسيع النفوذ التركي في البحر الأحمر.
النفوذ الأجنبي في الصومال يُقلق واشنطن
أمام هذا التصعيد، تنظر الولايات المتحدة إلى النفوذ الأجنبي في الصومال كدليل على تراجع إستراتيجي خطير. فإقامة قواعد صينية أو تركية دائمة قد تُهدد ممرات التجارة، وتُضعف قبضة واشنطن على واحدة من أهم المناطق البحرية في العالم.
مدينة بربرة في “أرض الصومال”، بموقعها على بعد 260 كيلومترًا فقط من السواحل اليمنية، تكتسب أهمية مضاعفة، إذ تمتلك ميناءً متطورًا وقاعدة جوية تعود للحرب الباردة. ويتردد في الأروقة الأميركية أنها قد تُستخدم كنقطة انطلاق لعمليات عسكرية وإنسانية نحو شرق إفريقيا والهند واسيفيك.
دبلوماسية جديدة من أرض الصومال
في ظل هذا المشهد، صرّح نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لانداو بأن سياسة بلاده تجاه “أرض الصومال” قيد المراجعة، وهو ما يُمثّل تحولًا لافتًا قد يُعبّد الطريق أمام اعتراف رسمي.
وفي تحرك دبلوماسي متقدم، من المنتظر أن يزور وفد من “أرض الصومال” واشنطن الشهر المقبل، يتبعه الرئيس عبد الرحمن محمد عبدالله “عرو” في يوليو المقبل، في محاولة للحصول على دعم الحزبين الأميركيين، وخصوصًا الجمهوريين الذين سبق أن دعم بعضهم الاعتراف الرسمي.
النفوذ الأجنبي في الصومال يفرض توازنات جديدة
يرى مراقبون أن هذا التنافس بين النفوذ الأجنبي في الصومال لا يتعلق فقط بالمصالح الاقتصادية أو العسكرية، بل أيضًا بتشكيل التوازنات الإقليمية في مواجهة التمدد الصيني، واستباق النفوذ التركي المتنامي في المنطقة.
واشنطن تسعى لإعادة ضبط استراتيجيتها، بتوجيه بوصلة التعاون نحو شريك ديمقراطي مستقر كـ”أرض الصومال”، لتأمين مصالحها البحرية والجيوسياسية، في وقت تبدو فيه مقديشو أكثر تقاربًا مع بكين وأنقرة.
في ظل احتدام معركة النفوذ الأجنبي في الصومال، بات واضحًا أن البلاد تقف عند مفترق طرق إستراتيجي حاسم. فبين تصاعد النفوذ الصيني والتركي، ومراجعة أميركية محتملة، تتحول “أرض الصومال” إلى بؤرة تركيز دولي متزايد. ويبقى مستقبل الأمن في القرن الإفريقي مرهونًا بكيفية إدارة هذه التوازنات الجديدة، ودور الصومال في ترجيح كفة أحد الأقطاب العالمية المتنافسة.
تعرف المزيد على: الاستثمار بين الصومال والصين يدشن مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي