في ظل تصاعد التوترات الإقليمية واشتداد التنافس على الممرات المائية، أكدت كل من مصر وجيبوتي أن أمن البحر الأحمر يجب أن يكون تحت سيطرة الدول المطلة عليه فقط. هذه الرسالة الواضحة جاءت بعد قمة رئاسية جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيله في العاصمة الجيبوتية.
موقف مشترك ضد التدخلات الخارجية
خلال مؤتمر صحفي مشترك، شدد الرئيس السيسي على رفض القاهرة وجيبوتي التام لأي تدخلات خارجية تمس أمن المنطقة أو تهدد حرية الملاحة في هذا الممر البحري الحيوي. وقال: “أكدنا معارضتنا الحازمة لأي إجراءات تهدد أمن أو حرية الملاحة في ممرات التجارة الدولية”.
في المقابل، شدد الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله على أن مضيق باب المندب لا يمكن التفريط به، وأنه يجب أن يبقى في حماية دول المنطقة. وأضاف: “ندعم التجارة البحرية الحرة وتعزيز التنسيق بين دول المنطقة لحماية هذا الممر الحيوي”، في إشارة واضحة إلى رفض أية تحركات منفردة قد تهدد أمن البحر الأحمر.
رسالة إلى إثيوبيا والمجتمع الدولي
تأتي هذه التصريحات في وقت يتصاعد فيه القلق من المساعي الإثيوبية للحصول على منفذ بحري مباشر على البحر الأحمر. هذه الخطوة بحسب مراقبين تُنظر إليها كتهديد مباشرةً من قبل الدول الساحلية، وعلى رأسها مصر، التي ترى أن أمن البحر الأحمر لا يجب أن يكون موضع مساومات سياسية أو جغرافية.
وفي هذا السياق، ناقش الرئيسان السيسي وجيله آخر تطورات الأوضاع في الصومال والسودان، إلى جانب التحديات التي تفرضها تحركات إثيوبيا. ويتضح من هذا التنسيق أن هناك نية حقيقية لبلورة رؤية مشتركة تدعم الاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي.
رفض قاطع لـ”عسكرة” البحر الأحمر
أعرب وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن رفض مصر القاطع لـ”عسكرة” البحر الأحمر، مؤكدًا أن أي وجود عسكري دائم لدول غير مشاطئة يمثل تهديدًا للأمن الإقليمي . وأشار إلى أن مصر وجيبوتي تتشاركان في هذا الموقف، ويعملان معًا لضمان حرية الملاحة في هذا الممر الحيوي.
أمن البحر الأحمر أهمية استراتيجية واقتصادية
يُعد أمن البحر الأحمر من القضايا الاستراتيجية الأكثر أهمية في العالم. هذا الممر البحري يشكل شريانًا رئيسيًا لحركة التجارة والطاقة بين الشرق والغرب، وتمر من خلاله نسبة كبيرة من صادرات النفط العالمية.
تاريخيًا، لعب البحر الأحمر دورًا محوريًا في الربط بين قارات العالم الثلاث، وظل على مرّ العقود هدفًا للتنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى. ومع تزايد الأنشطة العسكرية والقرصنة، أصبح الحديث عن أمن البحر الأحمر ضرورة لا بديل عنها.
دور مصر وجيبوتي في قيادة المبادرة الإقليمية
باعتبارهما دولتين ساحليتين تتمتعان بموقع جغرافي استراتيجي، تقود مصر وجيبوتي جهودًا حثيثة لتشكيل تكتل إقليمي لحماية البحر الأحمر. وتدعم الدولتان إنشاء آليات أمنية مشتركة، وتفعيل الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، لمواجهة التهديدات المستجدة.
وقد أشاد مراقبون بهذه الخطوة، معتبرين أن إعلان السيسي وجيله يمثل منعطفًا حاسمًا في مسار حوكمة البحر الأحمر، وأنه قد يؤدي إلى توازن جديد يضمن الاستقرار والتنمية لجميع الدول المطلة عليه.
بالإضافة إلى التعاون الأمني، اتفق الرئيسان على تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بما في ذلك زيادة الاستثمارات المصرية في جيبوتي، وتطوير مشروعات البنية التحتية، وتعزيز التبادل التجاري . ويُعد هذا التعاون جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز التنمية والاستقرار في المنطقة.
إن تأكيد مصر وجيبوتي على أن أمن البحر الأحمر مسؤولية الدول الساحلية وحدها، يعكس وعيًا سياسيًا وإقليميًا متقدمًا بأهمية تأمين الممرات البحرية دون تدخلات أجنبية. هذه الرؤية الموحدة لا تضع فقط الأسس لحماية التجارة والملاحة، بل تمثل أيضًا حجر الزاوية في بناء استقرار دائم في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط.
مع تسارع التحولات الجيوسياسية، تظل هذه الخطوة مثالاً على التنسيق الإقليمي الفعّال، وتعكس حرص القاهرة وجيبوتي على رسم مستقبل مشترك قائم على الاحترام المتبادل والسيادة.
تعرف المزيد على: طرد مبعوث أفريقي..بطاقة صومالية حمراء تُنذر بتحولات أكبر