في قلب الصومال، حيث تتقاطع المعارك مع الطموحات الوطنية، تتصاعد من جديد رياح القلق بعد تحركات غير متوقعة لـ”حركة الشباب” في منطقة استراتيجية. مشهد يبدو مألوفًا، لكن هذه المرة يحمل دلالات خطيرة قد تؤثر على المسار الأمني والسياسي في البلاد. فماذا حدث؟ وما تداعيات ما يجري في عدن يابال؟
سيطرت حركة الشباب الصومالية المتطرفة على بلدة “عدن يابال” الاستراتيجية الواقعة وسط البلاد، بعد انسحاب تكتيكي نفذته القوات الصومالية من مواقعها في المنطقة، بحسب مصادر عسكرية وشهادات مدنية.
تأتي هذه السيطرة بعد أكثر من عام على طرد الحركة من البلدة نفسها في ديسمبر 2022، في عملية دعمها الاتحاد الإفريقي آنذاك، مما يجعل العودة الحالية مؤشرًا مقلقًا على استعادة الجماعة المتشددة لزمام المبادرة في بعض الجبهات.
لماذا تعد بلدة عدن يابال مهمة؟
تُعدّ عدن يابال قاعدة عسكرية رئيسية تقع على بُعد نحو 220 كيلومترًا شمال العاصمة مقديشو، وتشكل نقطة انطلاق للعمليات العسكرية ضد حركة الشباب في منطقتي شبيلي الوسطى وهيران. وقد صرّح ضابط عسكري صومالي لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الانسحاب الأخير كان “تكتيكيًا”، وأن القوات ما زالت في وضع دفاعي خارج البلدة.
غير أن بيانًا صادرًا عن حركة الشباب أعلن سيطرة التنظيم الكاملة على عدن يابال، موضحًا أنه تم اجتياح أكثر من 10 منشآت عسكرية خلال الهجوم الذي بدأ قبيل فجر الأربعاء.
تصعيد ميداني وقلق سياسي
الهجوم بدأ بقصف عبر قاذفات صواريخ محمولة على شاحنات، أعقبته مواجهة مباشرة داخل البلدة، مما أربك القوات الحكومية. وأكد النقيب محمد علي، أحد الضباط في الجيش الصومالي، أن “المسلحين يتم احتواؤهم”، مشيرًا إلى وصول تعزيزات من مناطق قريبة. إلا أن سرعة سقوط البلدة رغم هذه التعزيزات تطرح تساؤلات حول قدرة الجيش على الصمود في وجه الهجمات المفاجئة للحركة.
وكان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قد زار البلدة مؤخرًا للاجتماع مع القادة العسكريين وبحث سبل إرسال تعزيزات، غير أن هذه الخطط لم تمنع وقوع البلدة مجددًا في أيدي المتطرفين.
وقال الرئيس في خطاب رسمي: “إذا سيطرت حركة الشباب على بلدة واحدة، فهذا لا يعني أنها تغلبت علينا”، مؤكدًا أن هناك فرقًا كبيرًا بين “الحرب” و”المعركة”، في إشارة إلى محاولة تهدئة الرأي العام دون إغفال حجم التحدي الأمني الحالي.
مخاوف دولية من عودة حركة الشباب
شهدت السنوات 2022 و2023 تقهقرًا كبيرًا لحركة الشباب بعد حملات عسكرية منظمة بدعم من قوات الاتحاد الإفريقي، غير أن الهجمات الأخيرة: ومنها استهداف موكب الرئيس في العاصمة مقديشو، تؤكد عودة الحركة لنشاطها وتصعيدها الميداني، خاصة في المناطق الريفية.
ويرتبط هذا التصعيد بالمشهد الإقليمي غير المستقر، خصوصًا في ظل الغموض الذي يكتنف مستقبل الدعم الأمني الدولي للصومال. فقد تم استبدال قوة الاتحاد الإفريقي ببعثة جديدة مطلع العام الجاري، إلا أن التمويل لهذه البعثة يواجه عراقيل، على رأسها رفض الولايات المتحدة نموذج التمويل الأممي الجديد.
من قلب المعاناة، روت إحدى الأمهات، فاطمة نور، عبر الهاتف لوكالة “رويترز”، تفاصيل الهجوم قائلة: “سمعنا انفجارًا ضخمًا بعد صلاة الفجر، ثم تبعه إطلاق نار كثيف.. لقد هاجمتنا حركة الشباب من جهتين”. هذه الشهادة تكشف الأثر المباشر لتلك الهجمات على المدنيين العزّل الذين يجدون أنفسهم في مرمى النيران.
كما أن السيطرة على عدن يابال تمنح الحركة فرصة لتعزيز تواجدها، وشن هجمات مستقبلية ضد قواعد الجيش، وربما استهداف مناطق أكثر قربًا من مقديشو.
إنذار جديد بعودة الإرهاب في شرق إفريقيا
عودة حركة الشباب للسيطرة على عدن يابال تمثل أكثر من مجرد انتكاسة عسكرية؛ إنها رسالة صريحة بأن التنظيم الإرهابي لم ينتهِ، بل يعيد ترتيب صفوفه، ويستغل الثغرات الأمنية والدولية ليعود إلى المشهد بقوة.
إن استمرار هذا التصعيد يتطلب تحركًا إقليميًا ودوليًا جادًا لدعم الجيش الصومالي، وتجفيف منابع تمويل التنظيم، وتعزيز استقرار الدولة في مواجهة خطر متجدد يهدد المنطقة بأكملها.
تعرف المزيد على: جماعة الإخوان المسلمين.. التنظيم الذي يهدد أمن الدول العربية