تشهد الساحة الصومالية في الأشهر الأخيرة مؤشرات مقلقة تتعلق بعودة تنظيم الدولة في الصومال، بعد فترة من الانحسار لصالح العمليات العسكرية الحكومية والحضور الطاغي لحركة الشباب. لا تعتمد هذه العودة على هجمات صاخبة بقدر ما تستند إلى بناء شبكات صغيرة وحذرة، تنتشر في مناطق صعبة التضاريس وتتحرك ببطء، الأمر الذي يمنحها هامشًا للمناورة والتخفي وإعادة ترتيب قدراتها.
تأتي عودة تنظيم الدولة في الصومال ضمن ظرف سياسي وأمني ملتبس، تتداخل فيه التحديات الداخلية مع صراعات النفوذ الإقليمي والدولي، ومع أن الحركة ليست بالقوة العددية والتنظيمية لحركة الشباب، إلا أن خطورتها تكمن في أسلوبها المرن، واعتمادها على خلايا صغيرة تعتمد على التمويل الذاتي والتهريب والتجنيد من الهوامش الاجتماعية، مع قدرة على استغلال الفجوات الأمنية بين الولايات الفيدرالية.
عودة تنظيم الدولة في الصومال كعامل ضغط أمني جديد
من المهم ملاحظة أن عودة تنظيم الدولة في الصومال لا تعني بالضرورة ظهور جبهات قتال مفتوحة، بل إعادة إحياء “المشروع الشبكي” الذي تبنته سابقًا، حيث تعتمد على التمركز في المناطق الجبلية الوعرة في بونتلاند والحدود الشمالية الشرقية.
إلا ان إعادة بناء شبكتها في هذه المناطق، يمثل تهديدًا مباشرًا لسلطات الولايات التي تجد نفسها بين مواجهة حركة الشباب من جهة، وهذا التنظيم الصاعد من جهة آخرى، مما يخلق حالة إنهاك أمني مزدوج.
قد تمثل هذه العودة كذلك مصدر قلق للحكومة الفيدرالية التي تسعى إلى توحيد الجهود العسكرية بين الولايات، في وقت تواجه فيه تحديات سياسية داخلية، كما أن الضغط الأمني المتزايد يفتح المجال أمام الجماعات المسلحة لاستغلال غياب التنسيق، وزيادة عمليات الابتزاز والتجنيد القسري في المناطق الريفية.

ما العوامل التي تساعد تمدد التنظيم؟
هناك عوامل موضوعية ساعدت على عودة تنظيم الدولة في الصومال، من أبرزها:
تراجع قبضة حركة الشباب في بعض المناطق بسبب الانشقاقات والصراعات الداخلية والفراغ الأمني الناتج عن ضعف التنسيق بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات والتضاريس الجبلية الوعرة التي توفر ملاذًا طبيعيًا لعناصر التنظيم والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية في المناطق النائية، وهي بيئة مثالية لتجنيد الشباب والاختراقات الخارجية ومحاولات بعض الشبكات الدولية إعادة ربط التنظيم بفروعه الآخرى.
تشكل هذه العوامل، بيئة خصبة تستثمرها خلايا صغيرة لا تحتاج إلى موارد ضخمة، بل إلى قدرة على الحركة والاختباء والتواصل المحلي.

المخاوف المستقبلية
من المتوقع أن تعزز عودة تنظيم الدولة في الصومال من التحديات الأمنية في البلاد خلال الفترة المقبلة، خاصةً إذا تمكن من تنفيذ عمليات نوعية، ولو صغيرة الحجم، لإثبات الوجود واستقطاب مجندين جدد. التهديد الأكبر ليس حجم التنظيم بل التطور المحتمل في نوعية عملياته، أو قدرته على الاستفادة من صراع النفوذ بين الولايات، أو من الخلافات السياسية القائمة داخل الحكومة الفيدرالية.
كما أن وجود أكثر من فاعل مسلح في المشهد سيؤدي بشكل شبه مؤكد إلى تشتيت الموارد الأمنية، وخلق حالة من الضغط المستمر على وحدات الجيش والشرطة وإجبارها على توزيع جهودها بين جبهات متعددة.
تعرف المزيد على: الغارات الأميركية في الصومال: هجوم واسع على معاقل داعش في نهر بلعدة
دلالات سياسية وأمنية معقدة

يمكن القول إن عودة تنظيم الدولة في الصومال تحمل دلالات سياسية وأمنية معقدة، وتمثل تهديدًا لا يجب التقليل من شأنه، خاصة أنها تأتي في لحظة انتقالية حساسة تمر بها البلاد. يتطلب التعامل مع هذا التمدد الصامت مقاربة أمنية موحدة بين الحكومة والولايات، واستراتيجية تمنع التنظيم من استغلال الفجوات القائمة وإعادة تدوير نفسه من جديد.
