يُعد فوز جاكوب فراي في مينيابوليس بولاية ثالثة خطوة جديدة في مسيرته السياسية، لكنه في الوقت نفسه يعكس مشهدًا أوسع داخل الحزب الديمقراطي الأميركي، حيث تتقاطع قضايا الهوية والتنوع مع صعود الأصوات التقدمية بين الأقليات.
فبعد منافسة شرسة مع المرشح الصومالي الأميركي عمر فاتح، خسر الأخير بفارق ضئيل، ليطرح ذلك تساؤلات حول موقع الجالية الصومالية في الحياة السياسية الأميركية، وما إذا كانت هذه النتيجة تشكل نهاية تجربة أم بداية نضج سياسي جديد.
السباق الانتخابي ومعادلة القوة في مينيابوليس

شهدت المدينة سباقًا مثيرًا بين جناحين داخل الحزب الديمقراطي، التيار الوسطي بقيادة جاكوب فراي، والتيار الاشتراكي الديمقراطي الممثل بعمر فاتح.
جاء فوز جاكوب فراي في مينيابوليس هذه المرة بفارق نحو عشر نقاط في الجولة الأولى، لكنه احتاج إلى جولات إضافية لحسم النتيجة وفق نظام التصويت الترتيبي المعمول به في المدينة.
ويتيح هذا النظام للناخبين اختيار أكثر من مرشح بترتيب تفضيلي، بحيث تُعاد توزيع الأصوات من المرشحين الأضعف حتى يحقق أحدهم أغلبية مطلقة.
النتائج النهائية غير الرسمية أظهرت حصول فراي على 50.03% مقابل 44.37% لعمر فاتح، وهو تحسن طفيف عن نسبة 49.1% التي حصدها فراي في انتخابات عام 2021.
يعني ذلك أن فوز جاكوب فراي في مينيابوليس لم يكن صدفة، بل نتيجة لتماسك قاعدته المعتدلة، رغم تصاعد نفوذ التيار التقدمي في المدينة خلال السنوات الأخيرة.
عمر فاتح.. تجربة صومالية أميركية في قلب السياسة

أثار ترشح عمر فاتح اهتمامًا واسعًا داخل وخارج مينيسوتا، ليس فقط لأنه واجه عمدة المدينة الحالي، بل لأنه جسّد الحلم الصومالي الأميركي في أبهى صوره.
ففاتح، وهو عضو في مجلس شيوخ الولاية، يعد أول سياسي صومالي يسعى للوصول إلى رئاسة مينيابوليس، المدينة التي تضم واحدة من أكبر الجاليات الصومالية في الولايات المتحدة.
منذ بداية حملته الانتخابية، ركّز على قضايا العدالة الاجتماعية، والسكن الميسور، وإصلاح الشرطة، وهي ملفات تمسّ شريحة واسعة من سكان المدينة.
وبرغم خسارته، فإن وجوده في السباق جعل اسم الجالية الصومالية حاضرًا بقوة في النقاش العام، وجعل فوز جاكوب فراي في مينيابوليس اختبارًا حقيقيًا لقدرة المدينة على استيعاب المرشحين القادمين من خلفيات مهاجرة.
ما بعد الانتخابات.. نضج سياسي أم تراجع مؤقت؟
بالنسبة للجالية الصومالية، تمثل خسارة عمر فاتح لحظة تأمل أكثر من كونها انتكاسة.
فهي المرة الأولى التي يقترب فيها مرشح من أصول صومالية إلى هذا الحد من الفوز برئاسة واحدة من أبرز المدن الأميركية.
ويرى مراقبون أن فوز جاكوب فراي في مينيابوليس لا يقلل من أهمية تجربة فاتح، بل يفتح الباب أمام أجيال جديدة من السياسيين الصوماليين الذين يرون في المشاركة السياسية وسيلة للتأثير الحقيقي وبناء التمثيل داخل المؤسسات الأميركية.
ومن المرجح أن تعيد الجالية تنظيم صفوفها استعدادًا للاستحقاقات المقبلة، سواء على مستوى الولاية أو الكونغرس، مستفيدةً من الدروس التي أفرزتها هذه التجربة الانتخابية غير المسبوقة.
كما أظهرت الحملة وعيًا متزايدًا لدى الجالية بأهمية التحالفات الانتخابية، بعدما حاول فاتح بناء جبهة تضم العمال والشباب والمهاجرين، لكنه لم ينجح في توسيعها بالقدر الكافي لضمان الأغلبية.
في المحصلة، يبدو أن فوز جاكوب فراي في مينيابوليس جاء نتيجة تفوق في إدارة الحملات والتواصل مع القاعدة التقليدية أكثر من كونه رفضًا للأفكار التقدمية التي حملها فاتح في برنامجه الانتخابي.
تحولات السياسة المحلية في مينيابوليس بعد فوز فراي

من المتوقع أن يواصل جاكوب فراي مسار الإصلاحات التي بدأها منذ مقتل جورج فلويد عام 2020، وهي القضية التي غيّرت وجه المدينة وأثّرت في السياسة الأميركية ككل.
وعد فراي بمواصلة إصلاح جهاز الشرطة وتحسين العلاقات بين الأمن والمجتمع المحلي، مؤكدًا أن هدفه هو بناء “مدينة آمنة للجميع”.
لكن فوز جاكوب فراي في مينيابوليس لا يُغلق باب الجدل حول الإصلاحات، بل يعيد فتحه من زاوية جديدة بين من يطالبون بتغييرات أعمق في العدالة والإسكان، ومن يرون في النتيجة فرصة لإعادة بناء الثقة بين المجتمع والإدارة.
إنه فوز يعكس توازنًا دقيقًا بين الاستقرار السياسي والطموح التقدمي الذي لا يزال حاضرًا في وجدان المدينة.
تعرف المزيد: القرصنة الصومالية تعود إلى الواجهة في 2025: رعب جديد في المحيط الهندي
تجربة لم تنتهِ بعد
ربما فاز جاكوب فراي بالمنصب، لكن عمر فاتح كسب احترامًا واسعًا داخل الجالية الصومالية وخارجها.
فالخسارة لم تكن نهاية الطريق، بل بداية لمرحلة جديدة من النضج السياسي للجالية التي باتت تدرك أهمية الصوت الواحد في رسم مستقبلها.
في النهاية، يرمز فوز جاكوب فراي في مينيابوليس إلى ثبات النظام السياسي المحلي، لكنه في الوقت نفسه يبرز صعود الوعي الصومالي الأميركي بوصفه قوة صاعدة في المشهد الديمقراطي الأميركي.
ومع كل استحقاق انتخابي جديد، تزداد فرص الجالية الصومالية في أن تتحول من مجرد كتلة انتخابية إلى شريك فعلي في صنع القرار، وهو ما قد يجعل فوز جاكوب فراي في مينيابوليس مجرد فصل من فصول قصة أوسع تُكتب الآن بأصوات المهاجرين وأحلامهم في وطن تبنوه بإصرار وأمل.
