عاد شبح القرصنة الصومالية ليخيم من جديد على مياه المحيط الهندي، بعد فترة من الهدوء استمرت لسنوات. الحادث الأخير لاختطاف السفينة هيلاس أفروديت التي كانت تبحر من الهند إلى جنوب أفريقيا، أثار مخاوف متزايدة من تصاعد نشاط جماعات القراصنة الذين يبدون أكثر تنظيمًا وجرأة من أي وقت مضى.
السفينة التي ترفع علم مالطا، وتحمل شحنة بنزين، لا تزال راسية حتى الآن، بينما يتحصن طاقمها داخل القلعة الداخلية، في حين تتحرك فرق بحرية أوروبية ويابانية لمراقبة الموقف عن كثب. ورغم عدم ورود أي مطالبات بفدية، فإن مؤشرات الخطر تتزايد مع مرور الوقت.
عودة تنظيمات قديمة بأسلحة حديثة

تشير المعلومات الاستخباراتية إلى أن جماعات القرصنة الصومالية في بونتلاند أعادت تنظيم صفوفها، مستخدمة سفن الصيد المختطفة كسفن أم، ما يمنحها القدرة على تنفيذ هجمات في عمق المحيط.
يحمل القراصنة أسلحة أوتوماتيكية وقاذفات RPG، ويستخدمونها قبل محاولات الصعود، في ما وصفته شركات الأمن البحري بأنه “أسلوب عدواني وواثق”.
شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة من محاولات السطو في عرض البحر، أبرزها الهجوم الفاشل على السفينة ستولت ساجالاند، وهو ما يؤكد أن نشاط القرصنة الصومالية لم يعد تصرفات فردية أو عشوائية، بل عمليات منظمة تُدار بتخطيط مسبق، الأمر الذي أثار قلقًا متزايدًا في شركات الملاحة.
تذكر سنوات الفوضي بمشهد جديد

ومن الواضح أن المشهد الراهن يعيد إلى الأذهان سنوات الفوضى بين عامي 2008 و2012، حين تصدرت القرصنة الصومالية نشرات الأخبار العالمية، وأعلنت عدة دول حالة استنفار بحري لحماية خطوط التجارة.
لكن الفارق اليوم أن القراصنة باتوا أكثر خبرة، ولديهم وسائل اتصال متطورة تتيح لهم متابعة تحركات السفن في الوقت الفعلي واختيار أهدافهم بعناية.
يرى مراقبون أن عودة القرصنة الصومالية لا تتعلق بالأمن فقط، بل ترتبط بالأزمة الاقتصادية في الشمال الشرقي، حيث يدفع الفقر والبطالة بعض الشباب إلى ركوب البحر بحثًا عن مصدر رزق.
تحذيرات دولية واستنفار أمني

أشارت شركة “درياد جلوبال” إلى أن نشاط القرصنة الصومالية ارتفع بشكل حاد منذ أواخر أكتوبر، بينما وصف مركز التعاون البحري الفرنسي القراصنة بأنهم “سريعو الحركة ومصممون على التحدي”.
وفي المقابل، بدأت قوات بحرية أوروبية وآسيوية تعزيز وجودها في البحر العربي وخليج عدن، لمنع تحول هذا التصعيد إلى أزمة أمنية بحرية عالمية.
وأكدت شركة “لاتسكو مارين مانجمنت” أن طاقم السفينة المختطفة المكون من 24 فردًا بخير، وأنه يتم التعامل مع الموقف بحذر بالتنسيق مع السلطات، دون الكشف عن أي تفاصيل إضافية لأسباب أمنية.
لماذا تتجدد القرصنة الصومالية الآن؟

يرى محللون أن عودة القرصنة الصومالية في هذا التوقيت ليست مصادفة، بل تعكس تراجع اهتمام المجتمع الدولي بالمنطقة بعد انتهاء مهمات المراقبة البحرية الكبرى.
كما أن الصراع في البحر الأحمر وانشغال القوى الكبرى بأزمات أخرى أتاح ثغرات أمنية استغلها القراصنة لتوسيع نطاق نشاطهم.
ويرى البعض أن هذه التطورات قد تدفع القوى الإقليمية لإعادة النظر في التعاون البحري مع الصومال، وربما استئناف مهام التدريب والمراقبة المشتركة لمواجهة هذا التهديد المتصاعد.
تعرف المزيد: العلاقات الصومالية العراقية تتعزز في مقديشو: تعاون أمني واقتصادي
المحيط الهندي يعود إلى دائرة الخطر

بينما تتزايد محاولات الهجوم وتتحرك السفن الحربية في المياه الدولية، يبدو أن القرصنة الصومالية تعود بثوب جديد، أكثر مرونة وخطورة.
عودة نشاط القرصنة الصومالية لا تتوقف عند حدود اختطاف السفن، بل تتجاوزها لتشكل خطرًا متزايدًا على حركة التجارة الدولية، في وقت تمر فيه عبر هذه المنطقة أكثر من ثلث إمدادات الطاقة العالمية، ما يجعل أي اضطراب أمني فيها ذا تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي.

