تشهد حرب المعادن النادرة بين الولايات المتحدة والصين تصعيدًا متسارعًا مع إعلان بكين عن قيود جديدة على صادراتها من العناصر الأرضية النادرة والمغناطيسات، وهو ما اعتبرته واشنطن تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ولسلاسل التوريد الحيوية التي تعتمد عليها الصناعات الأميركية في مجالات التكنولوجيا والدفاع والطاقة المتجددة.
ردًّا على ذلك، تدرس إدارة الرئيس دونالد ترامب إجراءات غير مسبوقة، من بينها الاستحواذ على حصص استراتيجية في شركات التعدين والمعادن لضمان استقلال الولايات المتحدة وتقليل الاعتماد على بكين، في خطوةٍ قد تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي لعقود قادمة.
الصين تضغط… وواشنطن ترد

في خضم حرب المعادن النادرة، أعلنت الحكومة الصينية عن فرض قيود صارمة على تصدير تقنيات وعناصر أساسية تُستخدم في صناعة الإلكترونيات والمركبات الكهربائية والطائرات المسيرة.
ورغم أن بكين بررت القرار بأنه “إجراء تنظيمي”، فإن واشنطن اعتبرته ورقة ضغط اقتصادية تهدف إلى فرض نفوذها على الأسواق العالمية وإضعاف المنافسة الأميركية.
وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت وصف هذه الخطوة بأنها “جرس إنذار”، مؤكدًا أن بلاده لن تسمح لبيروقراطيي بكين بالتحكم في سلاسل التوريد التي تغذي الصناعات الأميركية الحساسة.
بيسنت: “لن ندع بكين تدير سلاسل التوريد العالمية”

في كلمة ألقاها بيسنت الأربعاء، شدد على أن القيود الصينية الأخيرة أظهرت الحاجة الماسة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد الحيوية. وقال: “يجب أن يكون هذا بمثابة إشارة واضحة لحلفائنا بضرورة العمل معًا، لأننا لن نسمح بأن تدار سلاسل التوريد العالمية من داخل الصين”.
وأضاف أن الحكومة الأميركية تدرس زيادة حصصها في شركات المعادن الحيوية وأشباه الموصلات والأدوية كجزء من استراتيجية الأمن القومي، مؤكدًا أن هذه الخطوات ليست تدخلًا في السوق، بل حماية لمصالح البلاد في حرب المعادن النادرة التي باتت جزءًا من الصراع على المستقبل الصناعي للعالم.
ترامب: “الصين ضد العالم”

بدوره، صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لهجته قائلًا إن القيود الصينية “إعلان مواجهة اقتصادية مفتوحة”، مضيفًا أن بلاده وحلفاءها “لن يكونوا خاضعين لأي شكل من أشكال السيطرة”.
وأكد ترامب أن إدارته تستعد لفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية بدءًا من نوفمبر المقبل، ردًا على ما وصفه بـ”محاولة خنق الأسواق العالمية”.
وأشار إلى أن حرب المعادن النادرة لم تعد مسألة اقتصادية فحسب، بل باتت “قضية كرامة وسيادة وطنية”، مؤكدًا أن واشنطن لن تتردد في اتخاذ خطوات حازمة لحماية مصالحها الصناعية والعسكرية.
المعادن النادرة… سلاح الصين الخفي

تُعدّ المعادن النادرة القلب النابض للتكنولوجيا الحديثة، إذ تدخل في تصنيع المكونات الدقيقة للهواتف الذكية والسيارات الكهربائية والمعدات العسكرية.
وتُنتج الصين أكثر من 70% من هذه المعادن عالميًا، مما يمنحها قوة استراتيجية هائلة في سوق التكنولوجيا المتقدمة.
وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى تنويع مصادرها من هذه المواد، تشير البيانات إلى أن حرب المعادن النادرة قد تجعل واشنطن مضطرة لإعادة بناء سلاسل التوريد من الصفر، بتكلفة باهظة وزمن طويل.
ويرى خبراء أن هذه المعركة الاقتصادية تمثل تحديًا وجوديًا لصناعة الدفاع والطاقة الأميركية، لأن أي تباطؤ في الإمدادات الصينية يمكن أن يعطل مشاريع ضخمة في مجالات الصواريخ والطائرات والبطاريات المتقدمة.
سباق عالمي على الموارد الحيوية
تتجاوز حرب المعادن النادرة حدود واشنطن وبكين، لتصبح معركة عالمية على السيطرة على الموارد الاستراتيجية.
فالدول الأفريقية الغنية بهذه المعادن، مثل الكونغو وتنزانيا ومدغشقر، أصبحت ساحة تنافس بين القوى الكبرى التي تسعى لتأمين مصالحها المستقبلية في الاقتصاد الأخضر.
ويرى محللون أن هذه المنافسة قد تؤدي إلى تحالفات جديدة بين الولايات المتحدة ودول نامية تمتلك احتياطات ضخمة من العناصر النادرة، مقابل استثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا.
في المقابل، تواصل الصين توسيع نفوذها في القارة الأفريقية وآسيا الوسطى عبر مشاريع “الحزام والطريق”، لتضمن استمرار تفوقها في إمدادات المواد الخام.
واشنطن وبكين.. من الاعتماد إلى الانفصال الاقتصادي
رغم تأكيد وزير الخزانة الأميركي أن بلاده “لا تسعى للانفصال الكامل عن الصين”، فإن حرب المعادن النادرة تمهد لطريق طويل من فك الارتباط التدريجي بين أكبر اقتصادين في العالم.
إذ باتت واشنطن ترى في بكين مورّدًا غير موثوق به، في حين تعتبر الصين أن السياسات الأميركية محاولة لتقييد نموها وإبطاء صعودها التكنولوجي.
هذا الانقسام العميق قد يعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي، ويخلق نظامًا مزدوجًا من سلاسل التوريد المنفصلة، أحدهما تحت النفوذ الصيني، والآخر بقيادة أميركية.
لمعرفة المزيد: الصراع الاقتصادي بين أمريكا والصين.. من فول الصويا إلى المعادن النادرة و5 دلائل لتسارع الأحداث
معركة القرن على الموارد
تُظهر التطورات الأخيرة أن حرب المعادن النادرة لم تعد مجرد منافسة اقتصادية، بل تحوّلت إلى صراع استراتيجي على السيطرة العالمية في عالم يعتمد على التكنولوجيا والطاقة النظيفة.
وبينما تسعى واشنطن لضمان أمنها الصناعي عبر السيطرة على الشركات الحيوية، تواصل الصين الدفاع عن هيمنتها على الموارد التي تمثل “النفط الجديد” للعصر الحديث.
ومع اقتراب العالم من مرحلة إعادة تشكيل الاقتصاد الدولي، يبدو أن حرب المعادن النادرة ستكون العنوان الأبرز لعصر ما بعد العولمة، حيث تتحدد القوة لا بالسلاح، بل بالعناصر التي تصنعه.