في قلب منطقة شبيلي الوسطى، تعيش قرية هاركابوبي تجربة فريدة في التكيف مع الفيضانات في الصومال.
لسنوات، كانت الأمطار الغزيرة تهدد منازل السكان وتجرف أراضيهم، بينما تتركهم فترات الجفاف بلا محاصيل ولا مأوى.
تتذكر هوريا، إحدى نساء القرية:
“كنا نخاف من صوت المطر… كنا لا نعرف إن كنا سنستيقظ على فيضان أو على أرض جافة تمامًا.”
لكن هذا الخوف بدأ يتبدد عندما قرر الأهالي أن يتعاملوا مع الطبيعة لا ضدها.
هندسة الطبيعة بدل مقاومتها

بدعم من المنظمة الدولية للهجرة ومؤسسة شاكادون الصومالية، بدأ السكان في بناء هياكل جديدة تنظّم تدفق المياه بدلًا من صدّها.
يقول مهدي، أحد قادة المجتمع المحلي:
“بُنيت قنوات تُوجّه المياه نحو الأراضي الزراعية، فتحولت الفيضانات من خطر إلى مصدر للحياة.”
هذه الخطوات البسيطة كانت نقطة تحول في التكيف مع الفيضانات في الصومال، إذ ساعدت على حفظ المياه وزيادة إنتاج المحاصيل، بدلًا من تدميرها.
الأشجار تحرس القرية
في المراحل التالية، زرع الأهالي حزامًا من الأشجار المقاومة للجفاف بين القرية والوادي.
هذه الأشجار لم تحتج إلى الري، لكنها أصبحت خط الدفاع الأول ضد العواصف الرملية التي كانت تعصف بالبيوت.
ومع مرور الوقت، ساهمت الغابات الصغيرة في تعزيز التكيف مع الفيضانات في الصومال، من خلال تثبيت التربة وتقليل انجرافها أثناء الأمطار.
المعرفة تصنع الفرق

التدريبات التي تلقاها الأهالي لم تقتصر على البناء فقط، بل شملت مهارات إدارة المياه وحماية الموارد الطبيعية.
تعلم السكان حفر الأحواض الهلالية التي تُبطئ جريان المياه وتزيد من امتصاص التربة لها. ومعها تحسّن إنتاج المحاصيل، واستعاد الغطاء النباتي عافيته.
تقول هوريا بابتسامة:
“تعلمنا كيف نستخدم المطر لصالحنا، لا ضده. هذه هي روح التكيف مع الفيضانات في الصومال.”
تعاون المجتمع… أساس النجاح

النساء والشباب وكبار السن شاركوا جميعًا في التخطيط والتنفيذ.
ما كان في السابق سببًا للنزاعات على المياه والأراضي، أصبح اليوم فرصة لبناء الثقة والوحدة.
يقول محمد، أحد سكان القرية:
“لم نعد ننتظر المساعدات، بل نصنع الحل بأنفسنا. هذه هي القوة الحقيقية في التكيف مع الفيضانات في الصومال.”
الوقاية بدل الترميم
مشروع هاركابوبي لم يغيّر فقط طريقة تفكير السكان، بل غيّر أيضًا نهج المساعدات الإنسانية.
بدلًا من إعادة بناء ما ينهار كل عام، استثمرت المنظمات في الوقاية والتدريب.
لقد أصبح التكيف مع الفيضانات في الصومال نموذجًا عمليًا لتوجيه الموارد نحو الاستدامة، وليس الاستجابة المؤقتة.
عندما يصبح المطر صديقًا
اليوم، يستقبل سكان هاركابوبي المطر بابتسامة لا بخوف.
توزّع المياه برفق بين الحقول، وتحافظ الأحواض على الرطوبة، بينما تمنح الأشجار ظلالًا تمنع الغبار وتثبت التربة.
تقول هوريا:
“في الماضي كانت الفيضانات تُجبرنا على الرحيل، أما الآن فالمطر يعيد الحياة إلى أرضنا.”
قصة هاركابوبي هي واحدة من القصص الملهمة في التكيف مع الفيضانات في الصومال، وهي تذكير بأن الحلول البسيطة والمبنية على المعرفة يمكن أن تصنع فرقًا حقيقيًا في مواجهة التغير المناخي.
تعرف المزيد: حقوق الإنسان في الصومال: 32 عامًا من الرقابة تنتهي باستعادة السيادة الوطنية
الأمل يعود إلى الوادي
من قرية صغيرة شمال مقديشو خرجت تجربة أثبتت أن التكيف مع الفيضانات في الصومال ليس مجرد مشروع بيئي، بل تحول اجتماعي واقتصادي يعيد للناس ثقتهم بأنفسهم وبأرضهم.
واختتم محمد حديثه قائلًا:
“كنا نخاف من المطر، أما الآن فنوجهه حيث نريد. هكذا يبدأ الأمل.”