بعد أشهرٍ من الزخم الذي حققه الذكاء الاصطناعي في عالم الطيران والسفر، حان الوقت لإلقاء نظرة أعمق على التحولات التي تحدث خلف الكواليس. فبينما تتصدر أدوات الذكاء الاصطناعي العناوين الرئيسية، هناك ابتكارات الطيران الحديثة التي تُعيد رسم المشهد بعيدًا عن الضجيج الرقمي، وتُظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تطوّر تجربة السفر من الجو إلى الأرض.
الابتكار الأول: شراكة جيت بلو وأمازون تمهد لعصر جديد من الإنترنت الجوي

في خطوة جريئة، أعلنت شركة JetBlue عن تعاونها مع مشروع Kuiper التابع لأمازون لتوفير خدمة “واي فاي” عالية السرعة ومنخفضة الكمون عبر الأقمار الصناعية بدءًا من عام 2027.
يمثل هذا التعاون نقلة نوعية في ابتكارات الطيران الحديثة، حيث تعتمد الخدمة على الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض (LEO)، لتزويد الركاب باتصال أكثر استقرارًا وسرعة، حتى أثناء الرحلات الطويلة وعبر المناطق النائية.
ما يجعل هذه الخطوة استثنائية هو خروج “جيت بلو” عن هيمنة “ستارلينك” من “سبيس إكس” والرهان على منافس جديد، ما يفتح الباب أمام تنويع المنافسة في سوق الإنترنت الجوي.
فمع ارتفاع توقعات المسافرين، لم يعد الاتصال البطيء مقبولًا، وبدأت شركات الطيران تبحث عن حلول أكثر موثوقية وكفاءة. هذه الشراكة تُثبت أن ابتكارات الطيران الحديثة لا تتعلق فقط بتجارب الركاب، بل بتغيير قواعد اللعبة في الاتصالات الجوية.
الابتكار الثاني: مطار كوينزتاون يتنبأ بالازدحام قبل حدوثه بتقنية LiDAR

من نيويورك إلى نيوزيلندا، حيث يشهد مطار كوينزتاون تجربة رائدة في إدارة الحشود باستخدام نظام LiDAR الذكي.
تعتمد التقنية على إنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد دقيقة لتتبع حركة الركاب دون الحاجة إلى كاميرات أو بيانات شخصية، مما يجعلها من أكثر ابتكارات الطيران الحديثة حفاظًا على الخصوصية.
يتيح هذا النظام للمطار التنبؤ بالازدحام قبل وقوعه، ما يمنح الموظفين القدرة على تنظيم تدفق المسافرين استباقيًا. هذه الدقة في إدارة الوقت والمساحات لا تقل أهمية عن تقنيات الطيران نفسها، إذ تُحوّل تجربة الانتظار من توتر إلى راحة، وتعزز كفاءة التشغيل في بيئة تشهد ارتفاعًا غير مسبوق في أعداد المسافرين.
ويُعدّ هذا الابتكار مثالًا حيًا على كيف يمكن للتكنولوجيا المتقدمة أن تجعل المطارات أكثر ذكاءً وإنسانية في الوقت ذاته. فبفضل ابتكارات الطيران الحديثة مثل LiDAR، يمكن للمطارات حول العالم التوفيق بين الكفاءة التشغيلية واحترام خصوصية الركاب.
الابتكار الثالث: SITA تطوّر شبكات الطيران بالاعتماد على SD-WAN السحابية

وفي محور آخر من عالم ابتكارات الطيران الحديثة، تأتي شركة SITA بحل ثوري جديد يُعرف باسم Connect Fly، يعتمد على تقنية الشبكات الواسعة المعرفة بالبرمجيات (SD-WAN).
يُحدث هذا الابتكار ثورة في الطريقة التي تتصل بها شركات الطيران والمطارات بالبنية التحتية الرقمية. فبدلاً من الاعتماد على شبكات تقليدية مكلفة وبطيئة، يُتيح Connect Fly اتصالًا أسرع وأكثر أمانًا عبر السحابة، بما في ذلك دعم شبكات 5G والألياف البصرية.
الميزة الكبرى تكمن في المرونة: يستطيع النظام إعادة توجيه حركة البيانات تلقائيًا عند حدوث انقطاع، مما يُبقي أنظمة تسجيل الوصول والمغادرة والحقائب متصلة في جميع الأوقات. هذه المرونة التشغيلية تمثل أساسًا جديدًا لنجاح ابتكارات الطيران الحديثة، إذ تختصر زمن الإعداد وتُسرّع إطلاق الوجهات الجديدة وتقلل التكاليف التشغيلية.
تعرف المزيد: التكنولوجيا المالية الخضراء: 5 محاور تعزز التعاون بين الدنمارك والهند في 2025
مستقبل الطيران: عندما تصبح التكنولوجيا بنية تحتية للأمان والراحة

إنّ جوهر ابتكارات الطيران الحديثة لا يكمن فقط في الأجهزة أو البرامج، بل في كيفية إعادة تعريف تجربة السفر بأكملها.
من الأقمار الصناعية التي تُسرّع الاتصال بالإنترنت، إلى أنظمة LiDAR التي تحترم الخصوصية، وصولًا إلى الشبكات السحابية التي تضمن الاتصال المستم كلها تشكّل ملامح جيل جديد من الطيران الذكي.
وإذا كان الذكاء الاصطناعي قد خطف الأضواء مؤقتًا، فإن هذه الابتكارات في الطيران الحديثة تذكّرنا بأن التقدم الحقيقي لا يأتي فقط من الخوارزميات، بل من قدرة الإنسان على توجيه التكنولوجيا نحو الراحة والكفاءة والأمان.