استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة سجّل في تمام الساعة 10:45 صباحًا من يوم الأحد 12 أكتوبر 2025، أثناء تغطيته الميدانية للاشتباكات المسلحة التي اندلعت بين عناصر من حركة المقاومة الإسلامية “حماس” ومسلحين من عائلة دغمش في مدينة غزة.
الجعفراوي، الذي كان يوثّق بعدسته آثار الدمار في منطقة تل الهوا جنوب المدينة، أصيب بطلق ناري مباشر أثناء أدائه واجبه المهني، ليرحل والكاميرا بين يديه، تلك التي واجه بها الرصاص لسنوات دفاعًا عن الحقيقة.
لم يكن استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة مجرد خبر عابر، بل فصلًا جديدًا في سجلٍّ طويل من معاناة الإعلاميين الفلسطينيين الذين يقفون دائمًا في خط النار لنقل الحقيقة للعالم.
غزة تشتعل مجددًا.. اشتباكات داخلية تُعيد مشاهد الحرب
وفقًا لمصادر ميدانية، اندلعت الاشتباكات في أحياء الصبرة وتل الهوا عقب تصاعد التوتر بين الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس ومسلحين من عائلات فلسطينية متهمة بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي.
وسرعان ما تحوّلت المواجهات إلى تبادل كثيف للنيران، أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، وسط ذعر واسع بين المدنيين في المناطق القريبة.
ويأتي استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة في لحظة حساسة يعيش فيها القطاع حالة من الهشاشة الأمنية بعد أسابيع من وقف إطلاق النار الأخير، حيث تحاول غزة لملمة جراحها في ظل صراع داخلي يهدد استقرارها.
خلفية مأساوية للصحافة في غزة
على امتداد عامين من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، أصبح الصحفيون الفلسطينيون هدفًا مباشرًا لقوات الاحتلال، في محاولة لطمس الحقيقة وفرض الرواية الوحيدة.
بحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين، استشهد 254 صحفيًا وصحفية منذ 7 أكتوبر 2023، بينهم 27 صحفية، وأصيب 433 صحفيًا، فيما اعتُقل 48 منهم. من بين الشهداء البارزين أنس الشريف وصالح الجعفراوي، ليكونا رمزين لتضحيات الإعلام الفلسطيني في مواجهة الحرب والتهديد اليومي.
دُمّرت عشرات المؤسسات الإعلامية، بما فيها 12 صحيفة ورقية، 23 رقمية، 11 إذاعة و16 قناة فضائية، إضافة إلى 53 منزل صحفيين، بخسائر مادية تجاوزت 800 مليون دولار.
رغم ذلك، يواصل 143 مؤسسة إعلامية عملها، في ظل تهديد دائم وحصار شديد، ما يجعل استشهاد الصحفيين حلقة جديدة في سجل مأساوي طويل للصحافة في غزة.
صالح الجعفراوي.. الكاميرا التي هزمت الخوف
لم يكن استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة مجرد خسارة مهنية، بل ضربة إنسانية مؤلمة للصحافة الفلسطينية.
عرفه المتابعون كصوتٍ بصريٍّ لا يكلّ ولا يملّ من رواية الحقيقة.
لم يبحث عن شهرة أو مجد، بل عن عدالة الصورة.
كانت صوره من بين الأكثر تداولًا خلال العدوان الأخير على القطاع، لما حملته من صدقٍ وإنسانية جعلت العالم يرى الصحافة في غزة كمرآةٍ للكرامة وسط الركام.
لقد حوّل استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة عدسته إلى رمزٍ للمقاومة الصامتة، مقاومةٍ لا تطلق رصاصًا، بل تنقل الحقيقة للعالم رغم الخطر والموت.
الصحافة في غزة.. مهنة على حافة الحياة والموت
بحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين، تجاوز عدد الصحفيين الذين قُتلوا في القطاع خلال العامين الماضيين 150 صحفيًا، ما يجعل مهنة الإعلام في غزة من أخطر المهن في العالم.
ورغم المناشدات الدولية بتأمين الحماية للصحفيين، إلا أن البيئة الميدانية ما زالت تفتقر لأدنى معايير الأمان.
ويُظهر استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة حجم الفجوة بين الشعارات الدولية حول حرية التعبير وواقع العمل الصحفي في مناطق النزاع، حيث يُدفع ثمن الحقيقة دمًا وصورًا.
من الميدان إلى الخلود.. إرث لا يموت
تحوّل اسم صالح الجعفراوي إلى أيقونة في الذاكرة الفلسطينية، حيث نعاه آلاف النشطاء بكلماتٍ مؤثرة وصورٍ من أرشيفه المهني.
كتب أحد زملائه: “كان صالح يرى في كل لحظة وجعًا يستحق أن يُروى، واليوم صارت قصته هي الرواية ذاتها.”
رحيله لم يُنهِ حضوره؛ فـ استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة ترك أثرًا خالدًا في الوعي الجمعي، وأعاد فتح النقاش حول ثمن الكلمة الحرة في بيئةٍ تُحاصر الحقيقة من كل جانب.
تحقيق عاجل ودعوات لحماية الصحفيين
طالبت منظمات حقوقية فلسطينية ودولية بفتح تحقيق عاجل في استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة، معتبرة أن استهداف الصحفيين جريمة ضد حرية التعبير وحق الجمهور في المعرفة.
كما دعت نقابة الصحفيين الفلسطينيين إلى إلزام جميع الأطراف المتصارعة بضمان سلامة الإعلاميين الذين يخاطرون بحياتهم يوميًا في سبيل الحقيقة.
تعرف المزيد: وقف إطلاق النار في غزة اليوم 9 أكتوبر: تفاصيل اتفاق شرم الشيخ وخطة ترامب للسلام
هل تبقى الكاميرا حرة في وجه الحرب؟
يبقى السؤال الموجع الذي يطرحه استشهاد الصحفي صالح الجعفراوي في غزة:
هل يمكن أن تستمر الصحافة في غزة في أداء رسالتها وسط هذا الكمّ من الخطر والدم؟
الإجابة ربما تختصرها الكاميرا التي سقطت بجانبه .. كاميرا تقول إن الصورة قد تُكلف الحياة، لكنها تضمن أن تبقى الحقيقة حيّة.