في حادثة هزّت الرأي العام، أعلنت ولاية غلمدغ في وسط الصومال عن اعتقال ثلاثة رجال يُشتبه في تورطهم بجريمة قتل مروعة راحت ضحيتها أم وثلاث من بناتها الصغيرات. القضية التي وقعت في منطقة قعيب بإقليم غلغدود لم تكن مجرد جريمة عائلية، بل مرآة لواقع مؤلم يتجدد فيه العنف العشائري في الصومال بصورة مأساوية تهدد النسيج الاجتماعي والأمن المحلي على حد سواء.
عملية أمنية سريعة وبيان رسمي حازم
قدمت وزارة الأمن في غلمدغ المشتبه بهم الثلاثة خلال مؤتمر صحفي في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وأعلن الوزير آدان ورسامي علمي، المعروف بلقب “ديغ جارغاريتو”، أن العملية نُفذت بتنسيق بين الشرطة المحلية ووحدات الدراويش الخاصة، مؤكدًا أن “القضية ستُحال إلى القضاء فورًا لضمان العدالة”.
الضحايا ساهرو آرتان هيرسي وبناتها الثلاث نورتو، حاوو، وفائيسو عُثر عليهن مقتولات داخل منزلهن بعد أن أُطلقت عليهن النار أثناء نومهن. هذه الجريمة البشعة كشفت هشاشة الأمن في مناطق تعاني أصلًا من توترات قبلية متكررة، ما يجعلها إحدى أكثر الحوادث تعبيرًا عن تصاعد العنف العشائري في الصومال.
جريمة تهز الضمير العام وتعيد طرح الأسئلة الصعبة
لم يكن وقع الجريمة محليًا فقط، بل تجاوز حدود غلمدغ إلى مختلف ولايات البلاد، حيث عبرت شخصيات سياسية ودينية عن صدمتها، وطالبت بتشديد العقوبات وردع كل من يشارك في دوامة العنف العشائري في الصومال.
ويرى مراقبون أن هذه الحادثة تمثل نقطة اختبار حقيقية لقدرة السلطات على فرض القانون في بيئة يختلط فيها الانتماء القبلي بسلطة الدولة. فنجاح غلمدغ في تقديم المتهمين للعدالة بشفافية قد يشكل تحولًا رمزيًا في مسار مواجهة العنف العشائري في الصومال، بينما أي تلكؤ أو تساهل قد يُعيد إنتاج الدائرة نفسها من الانتقام والعنف.
سياق أوسع: نمط متكرر من الجرائم القبلية
شهدت منطقة غلغدود خلال الأشهر الأخيرة سلسلة من الهجمات المشابهة، كان من بينها مقتل طبيبين شابين في مدينة غالكايو، في جريمة نُسبت أيضًا إلى نزاعات قبلية. هذه الوقائع المتلاحقة تُظهر أن العنف العشائري في الصومال لم يعد مجرد خلاف محلي، بل تحدٍّ بنيوي يهدد بنسف جهود بناء دولة القانون.
ويشير محللون إلى أن غياب العدالة السريعة والمصالحة الحقيقية بين العشائر يترك فراغًا تملؤه عمليات الانتقام، ما يجعل كل حادثة مأساوية تفتح الباب أمام أخرى.
رد الدولة: بين هيبة القانون وضغط الواقع
تحاول إدارة ولاية غلمدغ إرسال رسالة قوية إلى المجتمع مفادها أن زمن الإفلات من العقاب قد انتهى. وقد وعد الوزير وارسامي بإجراء تحقيق شامل وشفاف، مؤكدًا أن السلطات “لن تتسامح مع أي شكل من أشكال العنف العشائري في الصومال بعد اليوم”.
لكن هذا التعهد يصطدم بواقع معقد على الأرض، حيث لا تزال الولاءات القبلية تتفوق في كثير من الأحيان على سلطة الدولة، خصوصًا في المناطق الريفية النائية التي يصعب على الأجهزة الأمنية الوصول إليها.
تحليل: مأساة فردية تعكس أزمة وطنية
توضح هذه الجريمة كيف يمكن لحادثة واحدة أن تختصر مأساة وطن بأكمله. فبينما يُنظر إلى اعتقال المشتبه بهم كخطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن الطريق نحو القضاء على العنف العشائري في الصومال ما زال طويلًا.
يتطلب الأمر معالجة جذرية تشمل إصلاح النظام القضائي، وتعزيز التعليم والتوعية المجتمعية، وتمكين الإدارة المحلية من تطبيق القوانين بعيدًا عن الضغوط القبلية. فغياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية هو الوقود الذي يُغذي استمرار العنف العشائري في الصومال.
تعرف المزيد: عودة الصوماليين من اليمن: رحلة أمل جديدة نحو الوطن
عدالة منتظرة ورسالة للدولة
اعتقال المتهمين الثلاثة خطوة ضرورية لكنها ليست كافية. فالمجتمع الصومالي ينتظر أن تتحول هذه الحادثة إلى بداية لمرحلة جديدة تضع حدًا لدورات الانتقام والدم.
نجاح السلطات في غلمدغ في إتمام المحاكمة بسرعة وعدالة سيُرسل رسالة واضحة بأن العنف العشائري في الصومال لن يُقبل بعد اليوم، وأن دماء الأبرياء لن تُهدر تحت أي ذريعة قبلية أو عشائرية.