في يوم الاثنين 29 سبتمبر/أيلول 2025، أطلقت وزارة الزراعة والري السودانية إنذارًا أحمر هو الثاني خلال 72 ساعة، محذّرة من فيضانات خطيرة تهدد ست ولايات رئيسية على امتداد نهر النيل. التحذير شمل ولايات النيل الأزرق، سنار، الجزيرة، الخرطوم، نهر النيل، والنيل الأبيض، وسط مخاوف من خروج الأوضاع عن السيطرة. هذه التحذيرات غير المسبوقة في هذا التوقيت من العام، أي بعد نهاية موسم الفيضانات المعتاد، أعادت إلى الواجهة النقاش المحتدم حول أزمة فيضانات السودان وسد النهضة، ودور الحكومة في حماية مواطنيها من كوارث المياه.
الأبعاد الإنسانية للأزمة: عائلات مشرّدة بلا إيواء

أزمة فيضانات السودان وسد النهضة الأخيرة غمرت مساحات واسعة من الخرطوم والجزيرة وسنار، حيث ارتفعت مناسيب المياه إلى مستويات قياسية وصلت في بعض المناطق إلى نصف متر داخل الأحياء السكنية. آلاف الأسر فقدت منازلها، فيما أُجبر آخرون على مغادرة قراهم والزحف نحو المدن بحثًا عن مأوى.
في منطقة الشقيلاب جنوب الخرطوم، أطلق الأهالي نداءات عاجلة لرفع السواتر الترابية بعدما اخترقت المياه الحواجز وهددت مئات المنازل بالانهيار. وفي الكلاكلة القبة، وقف شباب الحي في مواجهة الفيضان بأدوات بدائية، مؤكدين أن غياب مراكز الإيواء الرسمية أجبرهم على الاعتماد على المبادرات الشعبية.
على ضفاف النيل الأزرق بولاية سنار، أظهر مقطع مصور تداول على منصات التواصل الاجتماعي مزارعين يسحبون مضخات الري ووحدات الطاقة الشمسية من الحقول الغارقة، في مشهد يلخص حجم الخسائر. هذه الشهادات تضع البعد الإنساني في صميم أزمة فيضانات السودان وسد النهضة، حيث تُرك المواطنون يواجهون الكارثة بقدرات محدودة.
عجز الحكومة في إدارة الكارثة

رغم التحذيرات المبكرة من وزارة الري وصدور إنذارات متكررة لأزمة فيضانات السودان وسد النهضة، أظهرت استجابة الحكومة المركزية والمحليات ضعفًا واضحًا في التنسيق والإدارة. لجان الطوارئ في محليات مثل جبل أولياء أقرت أنها تعمل بإمكانات محدودة للغاية، وأن ارتفاع المناسيب كان أسرع من قدرتها على التعامل.
الأدهى من ذلك أن السودان لا يمتلك حتى الآن منظومة وطنية متكاملة للإنذار المبكر، ويعتمد بدرجة كبيرة على البيانات الصادرة من إثيوبيا بشأن سد النهضة. هذا الاعتماد جعل قرارات التعامل مع الفيضانات بطيئة ومتأخرة، ما فاقم من حجم الكارثة.
وبينما اكتفت الحكومة بتصريحات مطمئنة حول “التنسيق التام مع الجانب الإثيوبي”، كان المواطنون في الخرطوم والجزيرة يواجهون مياه الفيضان التي غمرت بيوتهم ومزارعهم. هذا العجز الحكومي يكشف هشاشة بنية الدولة في إدارة الكوارث، ويعطي بُعدًا سياسيًا جديدًا لـ أزمة فيضانات السودان وسد النهضة.
دور سد النهضة في الأزمة: بين الإنكار والاتهام

منذ افتتاح سد النهضة رسميًا في 9 سبتمبر/أيلول 2025، دخل السودان مرحلة جديدة من علاقته المعقدة مع السد. خبراء سودانيون مثل الدكتور أحمد المفتي أكدوا أن التصريف المفاجئ للمياه من بحيرة السد بعد الاحتفال كان السبب المباشر وراء ارتفاع المناسيب، مشيرين إلى أن ما جرى “يفوق فيضان عام 1988 بأكثر من متر ونصف”.
وزارة الري السودانية حاولت التخفيف من المخاوف، وقالت إن هناك تنسيقًا يوميًا مع إثيوبيا لتصريف المياه بشكل منظم. لكن التضارب في التصريحات زاد من حالة الغموض. بينما يرى مسؤولون سابقون مثل ياسر عباس أن السد يمكن أن يكون “السد العالي بالنسبة للسودان”، يعتبر خبراء آخرون أن ما حدث دليل على أن الفوائد الموعودة مجرد “وهم”.
هذا الجدل يجعل أزمة فيضانات السودان وسد النهضة أكثر تعقيدًا، فهي ليست أزمة طبيعية فقط، بل أيضًا أزمة ثقة سياسية وفنية.
الجانب السياسي والدبلوماسي: ورقة ضغط مفقودة

في السنوات الماضية، كانت الخرطوم ترفع شعار أن سد النهضة سيحميها من الفيضانات، لكن الواقع أثبت عكس ذلك. اليوم يجد السودان نفسه في موقف ضعيف بعدما قبل بالأمر الواقع دون ضمانات واضحة لتبادل المعلومات أو تشغيل السد بصورة مشتركة.
الخبير القانوني أحمد المفتي ذهب أبعد من ذلك، مطالبًا الخرطوم بالعودة إلى اتفاقية 1902 والمطالبة بالأرض المقام عليها السد في حال رفضت إثيوبيا الإدارة المشتركة. مثل هذه المواقف تكشف عن أزمة سيادة مائية عميقة، وتؤكد أن أزمة فيضانات السودان وسد النهضة تحمل أبعادًا سياسية بقدر ما تحمل أبعادًا طبيعية.
التأثير الاقتصادي: الزراعة في مهب الريح
الأضرار الاقتصادية الناتجة عن الفيضانات جسيمة. آلاف الأفدنة الزراعية في الجزيرة والنيل الأزرق جرفتها المياه، فيما فقد مزارعون استثماراتهم في الطاقة الشمسية ومضخات الري. الطرق والجسور تضررت، وبعضها خرج عن الخدمة، ما زاد من عزلة المناطق المتأثرة.
هذه الخسائر تأتي في وقت يعاني فيه السودان من أزمة اقتصادية خانقة، حيث التضخم الجامح وارتفاع أسعار الغذاء. ومع تراجع الإنتاج الزراعي بسبب الفيضان، يلوح في الأفق شبح أزمة غذائية تهدد ملايين المواطنين. هكذا تتحول أزمة فيضانات السودان وسد النهضة إلى عامل ضغط اقتصادي يضاعف معاناة الناس.
الأبعاد الإقليمية والدولية
الأزمة الحالية لا يمكن فصلها عن النزاع السوداني الإثيوبي حول السد. بينما تواصل أديس أبابا الاحتفال بمشروعها العملاق، يعيش السودان تداعيات فيضانات غير مسبوقة. المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والهلال الأحمر دعت إلى تقديم مساعدات عاجلة، لكن حجم الكارثة يتطلب حلولًا سياسية وفنية تتجاوز المساعدات الإنسانية.
كما أن بعض الأطراف الداخلية تحاول استغلال أزمة فيضانات السودان وسد النهضة لتسجيل نقاط سياسية ضد الحكومة، فيما تراقب أطراف خارجية كالقاهرة التطورات عن كثب باعتبارها معنية مباشرة بمستقبل مياه النيل.
رؤية الخبراء: إنقاذ أم إغراق؟

الآراء حول دور السد متناقضة. بعض الخبراء يرون أن السد يمكن أن ينظم التدفقات المائية ويحمي السودان من الفيضانات الموسمية إذا وُجد تنسيق فني حقيقي. لكن آخرين يؤكدون أن غياب الشفافية في تشغيل السد يجعل مخاطره أكبر من فوائده.
الخبير أبو بكر مصطفى أشار إلى أن التوقعات كانت بانحسار قمة الفيضان منتصف سبتمبر، لكن فتح مسارب سد النهضة المفاجئ أدى إلى تدفقات بلغت 750 مليون متر مكعب يوميًا، وهو ما أربك السودان. دعوات عديدة ارتفعت للمطالبة باتفاقيات فنية عاجلة تضبط تشغيل السد وتمنع تكرار الكارثة.
ما بعد الفيضان.. إلى أين؟
أحداث سبتمبر 2025 وضعت السودان أمام حقيقة قاسية: لا يمكن الاكتفاء بالتحذيرات المتأخرة بينما تهدد الفيضانات أرواح المواطنين. أزمة فيضانات السودان وسد النهضة كشفت عجز الدولة عن حماية شعبها، وأظهرت أن المياه العابرة للحدود قد تتحول من نعمة إلى نقمة إذا غاب التنسيق والشفافية.
تعرف المزيد: الاحتجاجات في المغرب 2025.. هل تستجيب الحكومة أم يشتعل الشارع أكثر؟
اليوم، يحتاج السودان إلى ثورة في إدارة موارده المائية، تبدأ بتطوير منظومة وطنية للإنذار المبكر، مرورًا بإعادة فتح ملف المفاوضات مع إثيوبيا، وصولًا إلى بناء سياسات إقليمية تحمي حقه في الحياة. السؤال الذي يطرح نفسه: هل يتعلم السودان الدرس قبل أن يغرق من جديد؟