يعاني قطاع الطاقة في الصومال، وبخاصة العاصمة، من تحديات كبيرة أبرزها أزمة الكهرباء في مقديشو التي أصبحت عنوانًا يوميًا لمعاناة السكان. فبعد سنوات الحرب الأهلية، انهارت البنية التحتية للكهرباء، وأصبح القطاع الخاص المحلي هو المزود الرئيسي للطاقة، حيث تغطي الشركات الخاصة ما يقرب من 90% من احتياجات الكهرباء في المدن عبر شبكات صغيرة تعمل بالديزل.
تكلفة باهظة وضعف في الوصول إلى الكهرباء

رغم أن الطلب على الكهرباء في تزايد مستمر، فإن أزمة الكهرباء في مقديشو تتجلى في محدودية الوصول، إذ إن أقل من ثلث السكان متصلون بالشبكات العامة والخاصة. ويظل استهلاك الفرد من الكهرباء في الصومال من الأدنى في أفريقيا، بينما يدفع المواطنون أسعارًا مرتفعة تُعتبر من بين الأعلى عالميًا، حيث تبلغ التكلفة نحو ثمانية أضعاف متوسط السعر في القارة.
مبادرات حكومية ودعم دولي

لمواجهة أزمة الكهرباء في مقديشو، نفذت وزارة الطاقة والموارد المائية مشروع توفير الكهرباء في الصومال (SEAP) بتمويل من البنك الدولي. يهدف المشروع إلى ربط 21,500 أسرة بالشبكة وتوفير طاقة موثوقة لحوالي 113,900 شخص، بينهم أكثر من 56 ألف امرأة. ويكمل هذا المشروع مبادرة أخرى أوسع هي “مشروع استعادة الكهرباء في الصومال” الذي يسعى إلى إيصال الطاقة لـ 1.1 مليون أسرة، أي نحو 7 ملايين مواطن.
الكهرباء شرط أساسي للتنمية والخدمات

لا تقتصر أزمة الكهرباء في مقديشو على المنازل فقط، بل تؤثر أيضًا على الخدمات الصحية والتعليمية. فغياب الكهرباء يعرقل عمل 205 مرافق صحية و380 مدرسة، ما يقلل من قدرة الصومال على مواجهة التحديات مثل جائحة كوفيد-19 والكوارث الطبيعية المتكررة. وهنا شددت كريستينا سفينسون، مديرة مكتب البنك الدولي في الصومال، على أن الكهرباء “أساسية للحد من الفقر وزيادة دخل الأسر وتحسين مناخ الأعمال”.
الاعتماد على الديزل وتحديات الشبكات الصغيرة
اليوم، يُغذّى نحو 90% من الكهرباء في الصومال عبر شبكات صغيرة معزولة تعمل بالديزل. ومع أن هذه الحلول تسد فجوة أزمة الكهرباء في مقديشو مؤقتًا، إلا أنها مكلفة وغير فعالة نظرًا لتشتت الشركات الخاصة وضعف القدرة الإنتاجية. كما أن التيار الكهربائي محدود بساعات قليلة يوميًا، غالبًا بين 5 إلى 6 ساعات فقط.
إمكانيات الطاقة المتجددة

رغم عمق أزمة الكهرباء في مقديشو، إلا أن الصومال يمتلك إمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة. فمعدل الإشعاع الشمسي يصل إلى 7 كيلوواط ساعة/م²/يوم، مع أكثر من 310 أيام مشمسة في السنة. كما تتميز البلاد بموارد رياح قوية، وإمكانية لتوليد ما يصل إلى 120 ميجاوات من الطاقة الكهرومائية على نهري شبيلي وجوبا. هذه المصادر تمثل بدائل استراتيجية لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الأسعار للمستهلكين.
الاستثمارات والفرص المستقبلية
تُظهر أزمة الكهرباء في مقديشو أن هناك فجوة استثمارية كبيرة في مجال توليد وتوزيع الكهرباء. فبحسب تقديرات رسمية، يبلغ إجمالي القدرة المركبة حاليًا 80–85 ميجاوات فقط، مع نحو 250 ألف توصيلة، ما يعكس حجم النقص. هنا، يرى الخبراء أن الاستثمارات في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن تغير المعادلة تمامًا، خاصة مع انخفاض تكلفة التقنيات المتجددة مقارنة بالديزل.
التكامل الإقليمي كحل للأزمة

كجزء من مبادرة القرن الأفريقي، يمكن للحكومة الفيدرالية أن تستفيد من استيراد الكهرباء منخفضة التكلفة من الدول المجاورة، ما قد يخفف من أزمة الكهرباء في مقديشو ويدعم التكامل الاقتصادي الإقليمي. هذا التوجه قد يعزز البنية التحتية للطاقة، ويجعل الكهرباء أكثر استقرارًا وتوافرًا للمواطنين.
الفقر والطاقة وجهان لعملة واحدة
تُظهر تقارير البنك الدولي أن 9 ملايين صومالي ما زالوا يفتقرون إلى خدمات الكهرباء، ما يجعل أزمة الكهرباء في مقديشو مرتبطة بشكل مباشر بالفقر. تسعة من كل عشرة أسر تعاني الحرمان في بعد واحد على الأقل، سواء الفقر المالي أو الطاقة أو المياه أو التعليم، ما يبرز أن الحلول الطاقية ليست مجرد رفاهية بل ضرورة لمستقبل أفضل.
تعرف المزيد: الصومال يزرع مستقبله: الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية
نحو مستقبل أخضر ومستدام
مع أن أزمة الكهرباء في مقديشو تمثل تحديًا يوميًا، إلا أنها أيضًا فرصة لتحويل الطاقة إلى محرك للنمو والتنمية. إذا تم الاستثمار في الطاقة المتجددة والبنية التحتية للنقل والتوزيع، يمكن للصومال أن يتحول من بلد يعاني نقصًا في الكهرباء إلى نموذج إقليمي في استغلال الطاقة الخضراء.