لم تعد قوارب الصيد الصغيرة التي تحمل الشباب الصومالي في رحلات محفوفة بالموت نحو سواحل اليمن والسعودية هي الخيار الأول كما كان في السابق. تجربة آلاف المهاجرين الفاشلة، وعودتهم مثقلين بالديون وخيبة الأمل، دفعت جيلًا جديدًا من الشباب إلى التفكير بجدية في أرضهم. هنا يبرز نموذج الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية، ليس فقط كقصص فردية، بل كاتجاه يمكن أن يشكّل سياسة وطنية حقيقية لوقف نزيف الأرواح عبر البحار.
قصص من الأرض بدل قوارب الموت

في مدينة بيدوا بجنوب غرب الصومال، يعيش محمود نور حسن (39 عامًا) حياة مختلفة تمامًا عما كان يتخيله قبل سنوات. فبعد أن خاض تجربة الهجرة غير الشرعية إلى السعودية وهو كان معتقدًأ ان هذا هو المنقذ ولكنة عاد صفر اليدين، قرر أن يبدأ من جديد عبر مشروع زراعي جماعي مع خمسين شابًا آخرين. في موسمه الأول جنى حسن أكثر من 800 دولار من بيع الخضروات، وهو دخل مكنه من إعالة أسرته والادخار لأول مرة. يقول بابتسامة عريضة، لم أعش يومًا أفضل من أن أعود محملًا بمحصولي بدلًا من الانتظار في شوارع الغربة بلا عمل.
لكن القصة لا تقف عند حسن وحده. إبراهيم موسى، شاب آخر من بيدوا، تمكن من كسب أكثر من 700 دولار من بيع الطماطم والبصل بعد سنوات من معاناة الفقر والتسول. قصص مثل هذه تفتح الباب للنقاش حول إمكانية تبني الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية على نطاق واسع.
دعم الدولة.. خطوة لابد منها

السؤال الأهم اليوم: هل تستطيع الحكومة تحويل هذه المبادرات الفردية إلى سياسة وطنية؟ النجاح في بيدوا يكشف أن توفير قروض صغيرة، تقنيات ري حديثة، ودعم تسويق المحاصيل قد يجعل الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية خيارًا عمليًا لمئات الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل. برأس مال جماعي بلغ 15 ألف دولار، حفر هؤلاء الشباب بئرًا واشتروا مضخة مياه، وتمكنوا من زراعة مساحات واسعة. فما الذي قد يحدث لو حصلوا على دعم حكومي مباشر أو شراكات مع منظمات التنمية؟
قصص نجاح.. وأخرى عالقة في الفشل

رغم النجاح اللافت، لا تزال هناك تحديات حقيقية. فبعض الشباب لم يتمكن من الاستمرار بسبب الجفاف أو قلة الأسواق لتصريف المحاصيل. آخرون اصطدموا بنزاعات على الأراضي أو عجزوا عن تسديد القروض. هذه العقبات تكشف أن نجاح الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية لا يكتمل من دون توفير بنية تحتية قوية، ودعم حكومي طويل المدى.
المرأة في قلب التحول الزراعي

وراء كثير من هذه التحولات تقف نساء صوماليات دفعن أبناءهن أو أزواجهن لترك فكرة الهجرة والعودة إلى الأرض. في بعض القرى، شاركت النساء بأنفسهن في زراعة الخضروات وبيعها في الأسواق المحلية. هنا تظهر زاوية مهمة: هل يمكن أن تصبح المرأة لاعبًا أساسيًا في تعزيز الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية؟ الإجابة مرهونة بقدرة هذه المشاريع على توفير بيئة عمل آمنة ومستقرة للنساء جنبًا إلى جنب مع الرجال.
الزراعة ومكافحة الإرهاب..

لا يقتصر تأثير هذه المبادرات على الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى الأمن والاستقرار. فكل شاب يزرع أرضه هو شاب أقل عرضة للتجنيد في حركة الشباب أو للوقوع في شباك المهربين. من هذا المنظور، يمكن القول إن الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية هي أيضًا أداة من أدوات مكافحة الإرهاب وحماية المجتمع.
المناخ.. التحدي الأكبر

لكن لا يمكن إغفال أثر التغير المناخي والجفاف المتكرر في الصومال. إذا لم تُعزَّز هذه المشاريع بأساليب ري حديثة وحلول للتكيف مع المناخ، فإنها ستظل مهددة بالانهيار. وربط الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية بمفهوم التنمية المستدامة يضمن استمراريتها في مواجهة أزمات المياه والجفاف.
أرقام تكشف الفرق..
تشير تقارير البنك الدولي إلى أن معدلات البطالة بين الشباب في الصومال تتجاوز 70%. في المقابل، تكلفة تهريب شاب إلى السعودية قد تصل إلى 3000 دولار، بينما يمكنه أن يحقق من موسم زراعي ناجح دخلًا يتجاوز 800 دولار، مع إمكانية الاستمرار في المواسم التالية. هذه المقارنة البسيطة تبرز أن الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية ليست مجرد حلم، بل خيار اقتصادي واقعي.
نماذج للتوسع
نجاح بيدوا يطرح سؤالًا: هل يمكن أن تتكرر التجربة في مدن أخرى مثل كيسمايو أو جالكعيو أو حتى ضواحي مقديشو؟ إذا أثبتت التجربة أن الشباب قادرون على بناء مستقبلهم داخل وطنهم، فقد نشهد تحولًا تدريجيًا نحو حركة شبابية تعيد تعريف العلاقة بين الجيل الجديد والأرض.
شهادات من العائلات
أم أحمد، والدة أحد العائدين من التهريب، تقول إن عودة ابنها وزراعته قطعة أرض صغيرة منح العائلة “طمأنينة لم تشعر بها من قبل”. شهادات مثل هذه تكشف أن الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية لا تعني فقط دخلًا ماليًا، بل استقرارًا اجتماعيًا وعائليًا يقلل من التمزق الذي تخلفه الهجرة.
تعرف المزيد: حريق ضخم يلتهم سفينة شحن متجهة إلى الصومال قبالة سواحل غوجارات
نحو رؤية وطنية
تجربة شباب بيدوا أثبتت أن بالإمكان تحويل الإحباط إلى فرصة، والهجرة غير الشرعية إلى زراعة شرعية. يبقى التحدي في أن تتبنى الدولة هذه النماذج، وأن تجعل من الزراعة كبديل للهجرة غير الشرعية سياسة وطنية تحصّن الشباب وتفتح لهم طريقًا إلى الكرامة داخل وطنهم، بدلًا من البحث عن أوهام وراء البحار.
