عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى نيويورك ليخطف الأضواء من جديد عبر خطاب ترامب في الأمم المتحدة، الذي جاء في لحظة فارقة من التاريخ الدولي. لم يكتف ترامب بتقديم سرد لإنجازاته في السياسة الخارجية، بل هاجم المؤسسات العالمية التي وصفها بأنها “أدت إلى تدهور النظام العالمي”، مطلقًا بذلك موجة جديدة من الجدل حول مستقبل التعددية الدولية ودور واشنطن.
ترامب والمؤسسات العالمية: نقد مباشر وتوجه أحادي

في مستهل خطاب ترامب في الأمم المتحدة، أعاد الرئيس الأمريكي التأكيد على عقيدته “أمريكا أولًا”، محمّلًا المنظمات الدولية مسؤولية تفاقم الأزمات العالمية. انسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، ومراجعة عضوية مئات الهيئات الدولية، اعتُبر مؤشرًا واضحًا على سعيه لفك ارتباط واشنطن بالمنظومة متعددة الأطراف التي تأسست قبل 80 عامًا.
ويرى مراقبون أن هذا التوجه يضعف شرعية الأمم المتحدة ويعيد تشكيل قواعد النظام الدولي وفقًا لرؤية أحادية تخدم مصالح الولايات المتحدة على حساب الإجماع العالمي.
الأزمات الكبرى تلقي بظلالها على الخطاب
لم يأتِ خطاب ترامب في الأمم المتحدة في فراغ، بل تقاطع مع ثلاث أزمات شديدة التعقيد:
- حرب غزة،
- غزو أوكرانيا،
- والصراع في السودان.
ورغم وعوده الانتخابية بحل تلك النزاعات “سريعًا”، بدا عاجزًا عن تقديم خطة عملية تنال ثقة المجتمع الدولي.
الأكثر إثارة للجدل أن بعض الحلفاء الأوروبيين استغلوا الدورة الحالية للجمعية العامة لتسليط الضوء على الاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية، في وقت أعلن فيه ترامب رفضه لهذه المساعي واصفًا إياها بـ”الكلام دون أفعال”.
الغارات العسكرية والاتهامات بالقتل خارج القانون

جانب آخر من خطاب ترامب في الأمم المتحدة ارتبط بالجدل حول استخدامه القوة العسكرية. فبعد الضربات الجوية الأمريكية على منشآت نووية إيرانية، والهجمات المتكررة على قوارب في البحر الكاريبي، ارتفعت أصوات حقوقية تتهمه بتنفيذ “عمليات قتل خارج نطاق القضاء”.
ورغم نفي البيت الأبيض لهذه الاتهامات، إلا أن استمرار تلك العمليات يثير شكوكًا في فنزويلا ودول أخرى حول نوايا ترامب الحقيقية، خاصة مع تكهنات بأنه يسعى لتهيئة الظروف لإطاحة الرئيس نيكولاس مادورو.
دبلوماسية مزدوجة: هجوم علني وحوارات خلف الأبواب المغلقة
المفارقة في خطاب ترامب في الأمم المتحدة أنه تزامن مع جدول مزدحم من اللقاءات الثنائية والمتعددة الأطراف. فمن المقرر أن يجتمع بزعيم أوكرانيا ورئيس الأرجنتين وقادة الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى لقاءات مع مسؤولين من الشرق الأوسط وآسيا. هذه الدبلوماسية النشطة تتناقض مع خطابه العدائي ضد المؤسسات، ما يعكس ازدواجية في مقاربة ترامب للعلاقات الدولية: صدامي في العلن، براغماتي في الكواليس.
هل يغير ترامب قواعد اللعبة؟
يرى محللون أن خطاب ترامب في الأمم المتحدة قد يشكل نقطة تحول في علاقة واشنطن بالمنظمة الأممية. فبينما يعتبره أنصاره تجسيدًا لرؤية جريئة تعيد القوة لأمريكا، يرى معارضوه أنه تهديد مباشر للنظام الدولي القائم منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن المؤكد أن هذه المواقف ستترك أثرًا طويل المدى، سواء عبر تشجيع دول أخرى على التشكيك في جدوى الأمم المتحدة، أو دفع القوى الكبرى إلى البحث عن توازنات جديدة بعيدًا عن النفوذ الأمريكي.
تعرف المزيد: رد الصومال على هجوم ترامب ضد إلهان عمر: وزير الدفاع يقف بحزم إلى جانبها
يُظهر خطاب ترامب في الأمم المتحدة أن الرئيس الأمريكي لا يسعى فقط إلى استعراض إنجازاته أو الدفاع عن سياساته، بل يهدف أيضًا إلى إعادة رسم خريطة القوة العالمية وفق معايير جديدة. وبينما ينتظر قادة العالم خطوات عملية، يبقى السؤال مطروحًا: هل يقود ترامب العالم نحو إصلاح جذري، أم نحو مزيد من الانقسام والتفكك الدولي؟
