بعد سنوات من الجدل حول قدرته على تغيير الصناعات والإبداع والاقتصاد، يخطو الذكاء الاصطناعي في السياسة خطوة جديدة قد تبدو غير مألوفة. ففي اليابان، أعلن حزب ناشئ يُدعى Path to Rebirth عن خطط لتعيين “بطريق روبوتي” يعمل بتقنيات المحادثة كزعيم رمزي للحزب، في سابقة غير مسبوقة.
من البشر إلى الروبوت: خطة أوكومورا

كوكي أوكومورا، طالب دكتوراه في جامعة كيوتو يبلغ من العمر 25 عامًا ومتخصص في أبحاث الذكاء الاصطناعي، صرّح أن الحزب سيسلم عملية اتخاذ القرارات للآلة، فيما سيكتفي هو بلعب دور “المساعد”. أوضح أوكومورا أن هذه التجربة تهدف لإبراز كيف يمكن أن يساهم الذكاء الاصطناعي في السياسة في تعزيز الشفافية وتمثيل أصوات عادة ما يتم تجاهلها في النقاش العام.
قيود قانونية وحدود واقعية

رغم الطموح، اصطدم المشروع بالواقع القانوني؛ فالقانون الياباني يشترط أن يكون المرشح شخصًا طبيعيًا. لذا، سيظل تمثال البطريق مجرد واجهة رمزية، بينما يبقى البشر هم الممثلون القانونيون. ومع ذلك، يرى الحزب أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في السياسة قد يكون تجربة رائدة لتصور المستقبل.
تجربة سياسية في مواجهة المجتمع الياباني

يرى مراقبون أن الناخب الياباني ما زال متمسكًا بفكرة القائد البشري القادر على التفاعل العاطفي والاجتماعي، وهو ما يجعل إدخال الذكاء الاصطناعي في السياسة تحديًا صعبًا. يقول البروفيسور هيروشي شيراتوري من جامعة هوسي إن الناخبين يبحثون عن شخصية يمكن الوثوق بها، بينما تبقى الروبوتات بعيدة عن هذا التصور.
تجارب دولية سابقة
اليابان ليست الأولى؛ ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة شهدنا محاولات لترشيح روبوتات دردشة انتخابيًا، لكنها ووجهت بمشكلات قانونية وأخلاقية. ومع ذلك، فإن هذه المبادرات تفتح باب النقاش حول إمكانية دمج الذكاء الاصطناعي في السياسة، ولو بشكل تجريبي، لتسريع تحليل البيانات والتواصل مع الناخبين.
الجدل الأخلاقي حول القيادة الاصطناعية

خبراء الأخلاقيات يؤكدون أن السياسة ليست مجرد حسابات دقيقة، بل ترتبط بالقيم واختلاف الرؤى المجتمعية. وهنا يبرز التساؤل: هل يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في السياسة لاتخاذ قرارات تمس قضايا حياتية مثل العدالة والحرية والمساواة؟
اليابان والتوجه نحو مجتمع مدعوم بالذكاء الاصطناعي
تستثمر اليابان بكثافة في هذه التكنولوجيا لمواجهة تحديات مثل شيخوخة السكان وانكماش القوى العاملة. ورغم أن بعض الإدارات الحكومية بدأت باستخدام الأنظمة الذكية في الأعمال المكتبية والخدمات العامة، إلا أن إدخال الذكاء الاصطناعي في السياسة يظل أكثر حساسية وإثارة للجدل.
هل هي خطوة جريئة أم استعراض سياسي؟

يرى البعض أن تجربة حزب Path to Rebirth مجرد محاولة للفت الانتباه بعد خسائره الانتخابية الأخيرة، بينما يعتبرها آخرون بداية لسؤال أعمق: ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي في السياسة في عالم سريع التغير؟
تعرف المزيد: خطورة الألعاب الإلكترونية: مأساة طفل هندي تكشف الوجه المظلم لصناعة المليارات
المستقبل بين الإنسان والآلة
مهما كانت النتائج، فإن هذه المبادرة اليابانية تؤكد أن النقاش حول الذكاء الاصطناعي في السياسة لم يعد خيالًا علميًا، بل بات قضية واقعية تطرح نفسها على أجندة الديمقراطيات الحديثة. والسؤال الأبرز: هل سيظل الذكاء الاصطناعي مجرد مساعد أم سيتحول يومًا ما إلى صانع قرار؟