بعد سنوات طويلة من الازمات والاضطرابات السياسية المختلفة داخل الصومال، تخطو السياحة في الصومال لتنير لنا وجهة مشرقة مختلفة و لافتة. أحدث هذه الخطوات كان إطلاق الحكومة لنظام تأشيرة إلكترونية يتيح للزوار التقديم عبر الإنترنت قبل السفر، في محاولة لتنظيم حركة الدخول وجذب الاستثمارات السياحية. الإعلان جاء بعد مشاركة الصومال في معرض السياحة العالمي (ITB Berlin)، في رسالة واضحة مفادها أن البلاد تريد تغيير صورتها النمطية والانفتاح على العالم.
نظام جديد كليًا للتأشيرة..

في الماضي، كان الحصول على التأشيرة يتم مباشرة عند الوصول إلى خمسة مطارات رئيسية فقط، أبرزها مطار مقديشو الدولي. اليوم، تغيّر الأمر كليًا؛ فالتقديم أصبح إلزاميًا عبر الإنترنت. هذه النقلة لا تعني فقط تسهيل الإجراءات، بل تمنح السلطات قاعدة بيانات أدق حول الزوار، وهو ما يعد مؤشرًا على محاولة بناء صناعة سياحية أكثر احترافية.
ورغم أن التحذيرات الأمنية من وزارات الخارجية في واشنطن ولندن لا تزال قائمة، إلا أن الأرقام تكشف شيئًا مختلفًا: أكثر من 10 آلاف سائح أجنبي زاروا الصومال في 2024، بزيادة تقارب 50% عن العام السابق. هذه القفزة تعكس أن الفضول والاهتمام بـ السياحة في الصومال يتناميان، حتى لو ظل الطريق محفوفًا بالمخاطر.
السياحة في الصومال.. كنوز طبيعية وتاريخ عريق.

الملفت أن الصومال، بعيدًا عن عناوين الأزمات، يملك ما قد يجعل أي عاشق للمغامرة يعيد النظر. شواطئ ممتدة على المحيط الهندي ما زالت بكرًا بلا ازدحام، وكهوف “لاس جيل” الشهيرة التي تحمل رسومات عمرها أكثر من خمسة آلاف عام، وتُعد من أهم مواقع الفن الصخري في إفريقيا.
في إقليم إسكوشوبان، تنهمر الشلالات الموسمية وسط طبيعة خلابة، بينما تحمل مقديشو مزيجًا من التاريخ: آثار استعمارية إيطالية، ميناء قديم، وأسواق شعبية نابضة بالحياة. كل ذلك يجعل السياحة في الصومال تجربة لا تشبه غيرها، تجمع بين التاريخ والفضول وروح المغامرة.
استقرار نسبي يشجع المغامرين

جيمس ويلكوكس، مؤسس منظمة “الحدود الجامحة” التي تنظم رحلات إلى مناطق نزاع، يرى أن الصومال اليوم أكثر هدوءًا مقارنةً بالعقود الماضية. “حدة القتال تراجعت، وهذا وحده شجع بعض المغامرين على التفكير في زيارة البلاد”، يقول ويلكوكس.
في 2024 اكتفت منظمته بتنظيم رحلتين فقط إلى الصومال، لكنها تستعد هذا العام لتوسيع نشاطها بشكل ملحوظ مع خطط لتنظيم 13 رحلة جماعية خلال النصف الثاني من 2025 الغالبية من الزوار هم من أبناء الجالية الصومالية بالخارج، ممن يزورون بلدهم بعد غياب طويل، لكن اللافت أن هناك سياحًا أجانب يبدون حماسة لاختبار الوجه الآخر للبلاد.
التحديات الأمنية..

مع ذلك، لا يمكن الحديث عن السياحة في الصومال دون التوقف عند المخاطر الأمنية. فهجمات حركة الشباب لا تزال تشكل تهديدًا قائمًا، إلى جانب التوترات السياسية مع اقتراب الانتخابات المقبلة. ولهذا ينصح خبراء السفر بعدم الاستخفاف بالمخاطر: التخطيط المسبق، التحقق من التأمين، والتنسيق مع شركات متخصصة شرط أساسي لأي رحلة.
تعرف المزيد: إصلاح القطاع المصرفي في الصومال.. بين تحديات الحاضر وفرص المستقبل
هل تعود السياحة في الصومال إلى الخريطة السياحية العالمية؟
ترى الحكومة الصومالية في السياحة فرصة اقتصادية وصورة جديدة تسعى لتقديمها للعالم. ومن خلال إطلاق التأشيرة الإلكترونية، تحاول أن تقول إنها مستعدة لاستقبال الزوار وكشف جمال طبيعتها وثراء حضارتها.
لكن نجاح هذه الخطوة يعتمد على أكثر من مجرد تسهيل إجراءات الدخول فالمطلوب هو استقرار سياسي وأمني، وبنية تحتية قادرة على استيعاب الوافدين. إذا تحقق ذلك، فقد تجد الصومال نفسها خلال سنوات قليلة على خريطة السياحة العالمية، ليس فقط كمغامرة استثنائية، بل كوجهة تستحق الاكتشاف.