في ولاية بونتلاند شمال شرقي الصومال، أصبحت تربية الإبل في الصومال أكثر من مجرد موروث تقليدي، بل تحولت إلى مصدر دخل مستقر لعشرات الأسر. فمنذ فبراير الماضي، وجد أكثر من 200 راعٍ سابق للإبل والماشية فرصة عمل في مزارع حديثة أنشأها رجال أعمال ومغتربون صوماليون، حيث يتقاضون رواتب شهرية بين 200 و300 دولار مقابل رعاية الإبل نهارًا وحراستها ليلًا.
قصص إنسانية تعكس التحول

محمود أحمد، شاب في الثامنة والعشرين، خسر 64 رأسًا من أغنامه بسبب الجفاف، لكنه وجد في تربية الإبل في الصومال بارقة أمل جديدة. اليوم يتقاضى 300 دولار شهريًا، ما مكنه من تسديد ديونه، توفير الغذاء لأسرته، وحتى تسجيل أطفاله في المدارس. يقول محمود: “لم أكن أتخيل أنني سأتمكن من بناء بيت بسيط بعد أن كنت أعيش في مأوى متهالك، لكن بفضل عملي الجديد أصبحت أوفر قوت يومي وأدخر للطوارئ”.
الحال نفسه ينطبق على علي عثمان، الذي يرعى 26 رأسًا من الإبل مقابل 200 دولار شهريًا، بعدما كانت والدته المسنة تعمل في تنظيف المنازل مقابل دولارين أو ثلاثة فقط في الأسبوع. ويضيف: “بفضل هذا العمل المرتبط بتربية الإبل، خرجت أسرتي من الفقر، وأصبحت قادرًا على تعليم إخوتي”.
قطاع استراتيجي لمواجهة الجفاف

تُعد تربية الإبل في الصومال ركنًا أساسيًا من الثروة الحيوانية، حيث يقدَر عدد الإبل بنحو 7.7 ملايين رأس وفق منظمة الأغذية والزراعة (الفاو). وتمتاز الإبل بقدرتها على التكيف مع الجفاف، وإنتاج الحليب واللحوم، فضلًا عن كونها سلعة رئيسية للتصدير إلى أسواق الخليج. هذا يجعل القطاع واحدًا من أهم ركائز الاقتصاد الوطني، خاصة في مواجهة الأزمات المناخية.
الدمج بين الخبرة التقليدية والاستثمار الحديث

يرى الباحث الاقتصادي عبد الله نور أحمد من جامعة غرين هوب في قردو أن الجمع بين خبرة الرعاة التقليدية واستثمارات رجال الأعمال يخلق نموذجًا جديدًا لتوفير الوظائف. ويشير إلى أن تربية الإبل في الصومال لم تعد مجرد نشاط رعوي، بل تحولت إلى قطاع منظم يضخ الأموال في الاقتصاد المحلي، ويمنح بدائل حقيقية عن الهجرة غير الشرعية والأعمال الهامشية.
انتشار المزارع في بونتلاند

تشهد ضواحي قردو وحدها 14 مزرعة تضم أكثر من 3200 رأس من الإبل، وهو ما يعكس التوسع المتزايد في تربية الإبل في الصومال كمشروع اقتصادي مستدام. هذه المزارع لا تقتصر فوائدها على أصحابها، بل تمتد إلى العمال والأسر التي استفادت من الدخل الثابت، ما يخفف من تداعيات الجفاف والبطالة.
تعرف المزيد: المشاكل الاجتماعية في الصومال: 9 أزمات من العنف ضد النساء إلى أزمة السكن
أمل جديد لأسر الصومال
يؤكد خبراء التنمية أن نجاح هذه المشاريع يثبت أن تربية الإبل في الصومال يمكن أن تكون أحد الحلول العملية لمواجهة البطالة والفقر في الأرياف. فهي تمنح دخلاً مستقرًا، وتعيد الثقة للأسر التي فقدت مصادر رزقها التقليدية. ومع استمرار موجات الجفاف وتغير المناخ، يبرز هذا القطاع كأمل جديد يعزز الأمن الغذائي، ويحافظ على الهوية الاقتصادية للبلاد.