لم يعد الحديث عن تباطؤ الاقتصاد الصيني مجرد توقعات أو تحذيرات أكاديمية، بل أصبح واقعًا ملموسًا يفرض نفسه على صناع القرار داخل بكين والمستثمرين حول العالم. فبعد أن اعتادت الصين لسنوات على معدلات نمو مزدوجة الرقم جعلتها المحرك الأساسي للاقتصاد العالمي، بدأت المؤشرات تكشف عن تغيرات عميقة تُنذر بمرحلة جديدة أقل ديناميكية وأكثر تعقيدًا. فما هي أبرز الحقائق التي تفسر هذا التحول؟
1. تقييمات الخبراء تتراوح بين 4 و6 من 10

خلال ندوة دولية عقدت مؤخرًا في واشنطن، انقسمت آراء الاقتصاديين حول الوضع الراهن. البعض منح الاقتصاد درجة 6 من 10معتبرًا أن الصين ما زالت تملك عناصر قوة، فيما ذهب آخرون إلى تقييمه بـ4 فقط من 10، في إشارة إلى هشاشة الأسس الداخلية. هذا التباين يعكس أن تباطؤ الاقتصاد الصيني ليس انهيارًا، بل مسار طويل المدى يختلف تأثيره من قطاع إلى آخر.
2. أزمة العقارات تضرب الثقة المحلية
لطالما كان قطاع العقارات محركًا رئيسيًا للنمو، لكنه تحول الآن إلى عبء ثقيل. تراجع المبيعات وتعثر شركات التطوير جعل الحكومات المحلية تفقد مصدرًا أساسيًا للإيرادات. هذه الأزمة لم تُضعف فقط قدرة الدولة على الاستثمار، بل هزت ثقة الأسر التي كانت ترى في شراء العقارات وسيلة للادخار الآمن. ونتيجة لذلك، تعمّق تباطؤ الاقتصاد الصيني مع انكماش في الطلب المحلي.
3. الصادرات والتكنولوجيا.. عرضة للاضطرابات

رغم كل التحديات، ما زالت الصين تسجل أداءً قويًا في مجالي التصدير والتكنولوجيا. شركات مثل “ديب سيك” في الذكاء الاصطناعي تقدم للعالم صورة عن براعة الابتكار الصيني. لكن الاعتماد المفرط على الأسواق الخارجية يجعل تباطؤ الاقتصاد الصيني أكثر عرضة للاضطرابات الجيوسياسية. أي خلاف تجاري مع الولايات المتحدة أو أوروبا قد يقلل من هذه المكاسب سريعًا.
4. الاستهلاك الخاص يحقق ارتفاعًا عير مسبوق
لأول مرة منذ عقدين، وصلت نسبة الاستهلاك الخاص إلى حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا التحسن يُظهر أن الأسر الصينية بدأت تشارك بشكل أكبر في تحريك عجلة الاقتصاد. لكن يبقى السؤال: هل يكفي هذا لوقف تباطؤ الاقتصاد الصيني؟ المؤشرات تقول إن الأزمة العقارية والبطالة بين الشباب تحد من أي تعافٍ مستدام.
5. مديونية متزايدة تفوق 300% من الناتج

يُعتبر الدين العام والخاص من أخطر الملفات. إذ تجاوز إجمالي المديونية 300% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى يثير القلق بشأن قدرة الحكومة على احتواء الأزمات المالية. استمرار الاقتراض من دون إصلاحات جذرية قد يضاعف أثر تباطؤ الاقتصاد الصيني ويحوّله إلى أزمة عابرة للحدود.
6. الانكماش يضعف الحوافز الاستثمارية
تشير البيانات إلى أن النمو الحقيقي يتفوق على النمو الاسمي، ما يعني دخول الاقتصاد في حالة انكماش تضغط على أرباح الشركات. هذه الظاهرة تدفع المستثمرين إلى التردد في ضخ أموال جديدة، ما يزيد من حدة تباطؤ الاقتصاد الصيني. ومع غياب سياسات تحفيزية جريئة، قد يستمر الانكماش لفترة أطول من المتوقع.
7. المستقبل و تأجيل الإصلاحات
السيناريوهات المستقبلية تعتمد على قرارات القيادة الصينية:
- إذا استمرت الحكومة في تأجيل الإصلاحات، فإن تباطؤ الاقتصاد الصيني قد يتحول إلى وضع دائم يضعف تنافسية البلاد عالميًا.
- أما إذا بادرت بكين بإصلاح قطاع العقارات، وتعزيز الابتكار المحلي، وتحفيز الاستهلاك، فربما تنجح في تحويل الأزمة إلى فرصة لبناء نموذج نمو أكثر استدامة.
تعرف المزيد: البيتكوين وأخواتها في 2025: 7 تحليلات تكشف مستقبل العملات الرقمية والاقتصاد العالمي
ما يحدث اليوم هو لحظة فارقة في مسار ثاني أكبر اقتصاد عالمي. صحيح أن تباطؤ الاقتصاد الصيني يثير القلق، لكنه في الوقت نفسه يفتح بابًا للنقاش حول ضرورة الانتقال من نموذج النمو القائم على العقارات والتصدير إلى نموذج يعتمد أكثر على الاستهلاك المحلي والتكنولوجيا. وبغض النظر عن المسار الذي ستسلكه بكين، فإن تأثير هذا التحول لن يقتصر على الصين وحدها، بل سيمتد ليشمل الاقتصاد العالمي بأسره.