في بلد يعيش تحت وطأة الجفاف والمناخ المتقلب، يأتي تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال كأمل جديد للمجتمعات الريفية والرعوية. فقد أعلنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) عن استثمار استراتيجي بقيمة 70 مليون دولار لتعزيز الأمن الغذائي وبناء القدرة على الصمود، خُصص نصفه لتقوية قطاع الأعلاف الذي يُعد شريان الحياة للثروة الحيوانية في البلاد.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن نحو 65% من السكان يعتمدون على تربية المواشي، فيما تمثل الثروة الحيوانية حوالي 80% من صادرات الصومال. ورغم هذه الأهمية، تعاني البلاد من عجز في الأعلاف يصل إلى 34%، مما يجعل تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال ضرورة حيوية لضمان البقاء وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
1. درع الصمود في وجه الجفاف

لم تكن موجات الجفاف المتكررة سهلة على المجتمعات الرعوية، لكن التدخلات الجديدة للفاو غيّرت المعادلة. فالأسر التي استفادت من برامج تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال أظهرت قدرة أعلى على التكيّف مع الأزمات.
وفقًا لمؤشر القدرة على الصمود، تراجع دخل الأسر غير المدعومة بنسبة 12% أثناء موجات الجفاف، في حين لم يتجاوز التراجع لدى الأسر المستفيدة 5% فقط، بفضل الوصول إلى بذور محسّنة، ومراكز معالجة محلية، وبرامج تدريب على الزراعة الذكية مناخيًا.
2. مكاسب اقتصادية تفوق التوقعات

يقول أحد المزارعين المشاركين: “لم نكن نتوقع أن الأعلاف يمكن أن تغيّر حياتنا بهذه السرعة.”
أثبتت الدراسات أن تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال حقق عائدًا اقتصاديًا مدهشًا؛ إذ بلغ متوسط الفائدة الصافية 603 دولارات لكل أسرة، مقابل كل دولار يُستثمر في هذا المجال يعود عائد قدره 4.30 دولارات. هذا النموذج العملي يُظهر كيف يمكن للمشاريع الزراعية الموجهة نحو السوق أن تولّد مصادر دخل مستقرة وتقلل الاعتماد على المساعدات.
3. تضييق فجوة الأعلاف ورفع الإنتاج المحلي

من أبرز إنجازات الفاو في تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال هو رفع نسبة الأسر التي تزرع الأعلاف بنحو 44%. هذا التوسع ساعد على تقليص النقص الحاد في المواد الجافة، ووفّر موردًا مستدامًا لتغذية المواشي، ما انعكس مباشرة على الإنتاجية والدخل.
كما ساهمت المعدات الحديثة في خفض خسائر ما بعد الحصاد، وهو ما أكدته المجتمعات المحلية التي أصبحت قادرة على تجاوز فترات العجاف دون الحاجة إلى النزوح أو فقدان الثروة الحيوانية.
4. مؤسسات محلية تقود التنمية
تعتمد الفاو في استراتيجيتها على إنشاء مؤسسات تنمية محلية قادرة على الاستمرار ذاتيًا. في أرض الصومال وحدها، تم تأسيس أكثر من 52 مؤسسة لإدارة عمليات تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال.
تتولى هذه المؤسسات خدمات المعالجة والتخزين والتسويق، وتعمل بهياكل إدارية شفافة تعزز المشاركة والمساءلة. والأهم، أنها ساهمت في كسر الصور النمطية للجندر، إذ باتت النساء يشغلن مناصب قيادية كمشغلات آلات وأمينات صناديق ورائدات أعمال، ما جعل المشروع نموذجًا لمشاركة النساء والشباب في التنمية الريفية.
5. نموذج مستدام لمستقبل الرعي

يمتد أثر تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال إلى ما هو أبعد من الإنتاج، فهو يشكل أساسًا لمبادرة “مستقبل الرعي في الصومال” التي أطلقتها الفاو لدمج الأعلاف مع صحة الحيوان وإدارة المياه وتسوية النزاعات حول الموارد.
هذه المقاربة الشاملة تهدف إلى خلق بيئة اقتصادية واجتماعية أكثر توازنًا، وتأسيس محميات للرعي تُمكّن المجتمعات من تحقيق استدامة طويلة الأمد، بعيدًا عن تقلبات المناخ والمساعدات الطارئة.
6. نحو نهج إقليمي لتكرار النجاح
يرى خبراء الفاو أن التجربة الصومالية تقدم نموذجًا يمكن تكراره في أنحاء القرن الأفريقي. فنجاح تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال أثبت أن الاستثمار في نظم السوق المحلية يمكن أن يجسر الفجوة بين العمل الإنساني والتنمية والسلام.
ويقول خضر عبدي، أخصائي التعلم في مكتب الفاو بالصومال: “البيانات لا تكذب، لقد أصبحت الأعلاف مدخلًا حقيقيًا لبناء اقتصادات محلية أقوى وأكثر مرونة.”
تعرف المزيد: العمرة والحج 2026: دليل شامل للحجاج للتسجيل الآمن والسفر الصحي إلى مكة المكرمة
من بين كل المبادرات التنموية الأخيرة، يبرز تطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال كقصة نجاح أفريقية ملهمة، تُظهر كيف يمكن للتخطيط الذكي والاستثمار الموجه أن يغيّر واقع المجتمعات الريفية.
فما بدأ كمشروع لتقليص فجوة غذائية، تحول اليوم إلى منظومة اقتصادية متكاملة تحمي الأسر من الصدمات وتفتح أمامها أبواب المستقبل.

