في السنوات الأخيرة، اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي موجة من المنشورات التي تروّج لفكرة أن هرمون الكورتيزول هو السبب الخفي وراء مشكلات النوم، وزيادة الوزن، والإرهاق المستمر. ويقدّم مؤثرون ومدربو صحة مزعومون “برامج خاصة” أو “مكملات سحرية” يقولون إنها تنظّم مستويات هذا الهرمون وتعيد التوازن للجسم.
لكن خلف هذا الزخم الدعائي، يظهر سؤال جوهري: هل هرمون الكورتيزول يستحق كل هذا القلق أصلًا؟
1. حقيقة الهرمون: وظيفة أساسية وليست لعنة صحية

يؤكد الأطباء أن هرمون الكورتيزول يؤدي وظيفة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها؛ إذ يُفرز من الغدد الكظرية ليساعد الجسم على التعامل مع التوتر، وتنظيم الطاقة، ودعم الجهاز المناعي.
يبلغ هذا الهرمون ذروته في الصباح ثم ينخفض تدريجيًا طوال اليوم، وهو نمط طبيعي ضروري للحفاظ على توازن الجسم. أما الارتفاع المفرط أو الانخفاض الكبير في مستوياته فيحدث فقط في حالات مرضية نادرة، مثل متلازمة كوشينغ أو مرض أديسون، وليس في مواقف التوتر اليومية العادية.
2. الأسطورة الجديدة: “تعب الغدد الكظرية”

واحدة من أكثر المفاهيم انتشارًا على الإنترنت هي فكرة “تعب الغدد الكظرية”، التي تُستخدم لتبرير كل أعراض الإرهاق أو القلق أو زيادة الوزن.
غير أن الأطباء يؤكدون أن هذا المصطلح غير علمي تمامًا. فبحسب الجمعية الفرنسية للغدد الصماء، لا يوجد دليل يثبت أن “إرهاق الغدة الكظرية” حالة طبية فعلية. بل وصفها الخبراء بأنها خرافة استُخدمت لتسويق منتجات ومكملات مرتبطة بتنظيم هرمون الكورتيزول.
3. تسويق ذكي.. ونتائج غير مضمونة

تُغرق وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمين بإعلانات لحميات غذائية ومشروبات “ديتوكس” ومكملات عشبية تزعم قدرتها على خفض هرمون الكورتيزول بنسبة تصل إلى 75%.
لكن البروفيسور غيّوم أسييه، أخصائي الغدد الصماء في مستشفى كوشان بباريس، أكد أن هذه الادعاءات “بعيدة عن الواقع”، مشيرًا إلى عدم وجود أي بيانات سريرية تُثبت فعالية تلك المنتجات.
ويضيف الطبيب تيبو فيولي أن الهدف من وراء هذا النوع من الخطاب هو “الربح المادي فقط”، فكل منشور يبيع فكرة، وكل منتج يدّعي تنظيم هرمون الكورتيزول يجذب جمهورًا يبحث عن حلول سريعة.
4. فحوصات باهظة ونتائج مشكوك بها
انتشرت أيضًا تجارة الفحوصات المنزلية التي تقيس مستويات هرمون الكورتيزول في اللعاب أو البول، إلى جانب تحاليل “ميكروبات الأمعاء” و”الحساسية على الطعام”، بأسعار تتراوح بين 300 و1500 يورو.
وتحذر الطبيبة بولين غيوش من أن هذه التحاليل “غير معتمدة طبيًا”، ما يعني أن نتائجها قد تكون مضللة أو غير دقيقة.
وتضيف أن كثيرًا من الأشخاص الذين يشترونها يكونون في حالة نفسية هشة، ما يجعلهم عرضة لتصديق الوعود السهلة عن إعادة “ضبط” هرمون الكورتيزول دون إشراف طبي.
5. الطب الحقيقي مقابل العلاج الرقمي الوهمي

يقول الخبراء إن الطريق الأمثل للحفاظ على توازن هرمون الكورتيزول لا يحتاج إلى مكملات أو حميات باهظة.
العادات اليومية البسيطة كالنوم الجيد، وممارسة الرياضة بانتظام، وتخفيف الكافيين، والابتعاد عن الضغط النفسي، كفيلة بالحفاظ على مستويات طبيعية.
أما اللجوء إلى “العلاجات السريعة” عبر الإنترنت فيفتح الباب أمام سوق رقمية ضخمة تبيع الوهم تحت شعار “العلم الحديث”.
6. تجارة القلق.. كيف استُخدم هرمون الكورتيزول لبيع الطمأنينة؟
خلف كل إعلان عن منتج “ينظّم التوتر”، يقف مسوّق بارع يعرف أن الخوف من المرض يبيع أكثر من الحقائق الطبية.
تحوّل هرمون الكورتيزول إلى كلمة سحرية تُستخدم لجذب المتابعين وتحريك الأسواق الرقمية التي تربح من القلق البشري أكثر مما تعالجه.
ويحذر الأطباء من أن تصديق تلك الحملات لا يؤدي فقط إلى خسارة المال، بل أيضًا إلى إهمال المشكلات الصحية الحقيقية التي تستدعي تدخلًا طبيًا حقيقيًا، لا منشورًا على إنستغرام أو بودكاست تسويقي.
تعرف المزيد: العبوات الناسفة في الصومال.. 7 خطوات استراتيجية للمكافحة
هرمون الكورتيزول بين الحقيقة والعناوين المضللة
بين العلم والدعاية، يظل هرمون الكورتيزول جزءًا طبيعيًا من نظام الجسم، لا عدوًا يجب محاربته.
ورغم أن فهمنا لتأثير التوتر على الصحة يتطور باستمرار، فإن أخطر ما يفعله الإنترنت اليوم هو تحويل العلوم الطبية إلى منتجات استهلاكية.
تبدأ القصة بهرمون… وتنتهي بتجارة تبيع الطمأنينة في عبوة.