يقف الصومال على خط المواجهة مع أزمة مناخية متشابكة لا تعرف التراجع. فالجفاف يزداد طولًا، والفيضانات تتضاعف قسوة، والأرض تفقد خصوبتها بفعل التصحر. هذه ليست تهديدات بعيدة، بل واقع يومي يعيشه الناس، حيث باتت سبل العيش والموارد الطبيعية رهائن المناخ. وفي ظل هذا المشهد الهش، يبرز التكيف مع تغير المناخ في الصومال ليس كخيار بيئي فحسب، بل كشرط أساسي لتحقيق السلام، ومنع عودة النزاعات، وفتح الطريق أمام تنمية مستدامة.
الأمن المناخي والأمن القومي: معركة مشتركة

لا ينفصل تغير المناخ عن الأوضاع الأمنية في الصومال. فالجماعات المتطرفة، وعلى رأسها حركة الشباب، استغلت هشاشة الموارد الطبيعية لبسط نفوذها، محوّلة الجفاف والنزاعات على المراعي والمياه إلى أدوات للتجنيد والسيطرة. هنا يتضح أن غياب التكيف مع تغير المناخ في الصومال لا يهدد البيئة فقط، بل يفتح الباب أمام تهديدات أمنية متنامية. حماية الموارد وإدارتها بعدالة هو خط دفاع أول عن استقرار الدولة.
المجتمعات الريفية في خط النار

الريف الصومالي هو الساحة الأولى التي تتجلى فيها آثار المناخ. النساء يتحملن العبء الأكبر في توفير الغذاء والمياه وسط أزمات متكررة، بينما الشباب يواجهون خيارات قاسية بين الهجرة أو الوقوع في شباك التطرف. لكن هذه المجتمعات نفسها تقدم نماذج مقاومة عبر مبادرات محلية صغيرة: من الزراعة الذكية إلى مشاريع المياه المجتمعية. دعم هذه الجهود المحلية يعزز التكيف مع تغير المناخ في الصومال من القاعدة، ويحول المتضررين إلى صناع حلول.
السلام يبدأ من الأرض: التعافي البيئي كأداة للاستقرار
بعد تحرير أكثر من 80 بلدة من حركة الشباب خلال الأعوام الأخيرة، اكتُشف إرث ثقيل من الدمار البيئي: آبار مسمومة وأراضٍ زراعية محروقة. هنا يظهر أن إعادة بناء السلام لا تقتصر على نزع السلاح، بل تشمل إعادة تأهيل النظم البيئية. فإحياء المراعي والأنهار وإعادة الغطاء النباتي يمثلان خطوات جوهرية في التكيف مع تغير المناخ في الصومال، ويحولان مسارات الصراع على الموارد إلى فرص للتعايش.
فجوة تمويل المناخ: بين الحاجة والحرمان

رغم أن الصومال من أكثر الدول عرضة للمخاطر المناخية، فإنه يتلقى نسبة ضئيلة من التمويل الدولي المخصص للتكيف. التعقيدات البيروقراطية والديون تثقل كاهل الدولة وتعيق الاستثمار في مشروعات مستدامة. هذه الفجوة التمويلية تعني أن التكيف مع تغير المناخ في الصومال يظل حلمًا بعيد المنال ما لم يتم إصلاح النظام المالي العالمي ليصبح أسرع وأكثر عدالة، وقادرًا على الاستجابة لاحتياجات الدول الهشة.
رؤية 2060.. مستقبل خطط التنمية إلى الواقع المحلي
تعمل الحكومة الصومالية على دمج استراتيجيتها المناخية مع خطط التنمية الوطنية، مثل خطة التحول 2025–2029 ورؤية 2060. الفكرة ليست مجرد شعارات، بل بناء مسارات اقتصادية خضراء توفر فرص عمل للشباب وتعزز الأمن الغذائي. إدماج التعليم والمهارات مع التكيف مع تغير المناخ في الصومال يفتح أمام الجيل الجديد آفاقًا مختلفة عن دوامة العنف والبطالة.
الهجرة والنزوح المناخي: أزمة أم فرصة؟

بلغ عدد النازحين داخليًا أكثر من 3.8 مليون شخص، معظمهم بسبب الكوارث المناخية. ومع ذلك، يمكن تحويل النزوح من عبء إلى فرصة إذا ما استُثمر في إعادة توطينهم بمناطق قادرة على استيعابهم، مع توفير بنى تحتية وخدمات جديدة. التعامل مع النزوح كجزء من التكيف مع تغير المناخ في الصومال يعني تقليل الضغط على المدن وتحويله إلى محرك للتنمية.
فرص العمل الخضراء: أمل للشباب ومستقبل للسلام
الشباب يشكلون غالبية سكان الصومال، لكنهم الأكثر عرضة للإحباط بسبب قلة الفرص. الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، الزراعة المستدامة، ومصايد الأسماك الذكية مناخيًا، يمكن أن يخلق آلاف الوظائف ويحد من الانضمام للجماعات المتطرفة. بهذا يصبح التكيف مع تغير المناخ في الصومال أداة مزدوجة لمكافحة الفقر والإرهاب معًا.
تعرف المزيد: خفر السواحل الصومالي يدخل شبكة التعاون المتوسطي لتعزيز حضوره البحري في 2025
في بلد يعتمد على المطر للحياة، يصبح التكيف مع تغير المناخ قضية وجودية. إنه ليس مجرد خطة بيئية، بل مشروع سياسي واقتصادي وأمني يحدد مستقبل الأمة. إذا ما وُجّه التمويل العادل، ودُعمت المجتمعات المحلية، وربطت خطط التنمية بالاستدامة، فإن التكيف مع تغير المناخ في الصومال سيكسر دوامة الأزمات ويؤسس لسلام دائم. المستقبل الأخضر ليس رفاهية، بل طريق النجاة الوحيد لشعب يكافح من أجل البقاء.