منذ أكثر من 17 عامًا، والسفن الحربية الصينية لا تغيب عن خليج عدن. والآن، تعود بكين لتؤكد حضورها بإرسال قوة جديدة إلى المنطقة، في خطوة تعيد النقاش حول أهدافها الحقيقية.
هل تسعى الصين لحماية الممرات البحرية فعلًا، أم أن الوجود البحري الصيني في الصومال أصبح أداة نفوذ جديدة في المحيط الهندي؟
1. البحرية الصينية في المياه الصومالية: حماية أم نفوذ استراتيجي؟

تقول الصين إن مهمتها البحرية تهدف لمكافحة القرصنة وضمان سلامة السفن التجارية. لكن كثيرين يرون أن الأمر أبعد من ذلك.
فمنذ أن افتتحت بكين قاعدتها العسكرية في جيبوتي عام 2017، أصبح الوجود البحري الصيني في الصومال جزءًا من شبكة أوسع لبناء نفوذ طويل الأمد في المنطقة.
هذا الحضور يمنح الصين موقعًا متقدمًا في ممر مائي تمر عبره ثلث تجارة النفط العالمية تقريبًا.
2. خليج عدن بين القوى الكبرى: تنافس خفي على الممرات البحرية

لم يعد خليج عدن مجرد ممر للتجارة، بل صار ساحة تنافس بين القوى الكبرى.
الصين والولايات المتحدة وفرنسا واليابان جميعها تنشر قوات بحرية قرب السواحل الصومالية.
وسط هذا الزخم، تحاول مقديشو أن توازن علاقاتها، فتستفيد من التعاون الأمني دون أن تدخل لعبة المحاور.
ويضع هذا الوضع الوجود البحري الصيني في الصومال في قلب سباق النفوذ على طرق الملاحة الحيوية في القرن الأفريقي.
3. الوجود البحري الصيني: فرصة اقتصادية للصومال أم تحدٍ للسيادة؟

من الناحية الاقتصادية، تحسّن الأمن البحري الصومالي بفضل الدوريات الدولية، خاصة الصينية منها.
فانخفاض القرصنة أعاد الثقة لخطوط الشحن، ما انعكس إيجابًا على التجارة الإقليمية.
لكن مع كل هذه الفوائد، يظل السؤال مطروحًا: إلى أي مدى تملك الصومال القرار في مياهها؟
رغم أن الوجود البحري الصيني في الصومال ساهم في الحماية، إلا أن بعض الأصوات تخشى أن يتحول إلى شكل من أشكال الوصاية البحرية غير المعلنة.
4. من مكافحة القرصنة إلى تأمين الحزام والطريق

حين بدأت الصين مهامها البحرية عام 2008، كانت القرصنة الصومالية في أوجها.
أما اليوم، وبعد تراجع التهديدات، يبدو أن بكين باتت تركز على حماية خطوط التجارة المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق.
خليج عدن يمثل نقطة وصل بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، ما يجعل الوجود البحري الصيني في الصومال جزءًا من استراتيجية اقتصادية كبرى تهدف إلى تأمين طرق الطاقة والبضائع في مواجهة أي اضطرابات محتملة.
5. الصومال بين الحضور الصيني والدعم الغربي: موازنة دقيقة في الأمن البحري

تحاول مقديشو الاستفادة من جميع الأطراف دون أن تقع في فخ الاعتماد على قوة واحدة.
ففي حين يقدم الوجود البحري الصيني في الصومال دعمًا لوجستيًا ودوريات منتظمة، تواصل بعثات الاتحاد الأوروبي والتحالف الدولي جهودها في حماية الممرات البحرية.
التحدي الحقيقي أمام الصومال هو صياغة سياسة بحرية مستقلة تضمن أمنها دون أن تُفقدها استقلال القرار.
6. البحرية الصومالية: هل حان وقت استعادة السيطرة على السواحل؟
رغم التحسن النسبي في الأمن البحري، ما تزال القدرات الوطنية محدودة.
تحتاج البحرية الصومالية إلى تدريب وتجهيز مستمرين لتكون قادرة على حماية مياهها بنفسها.
وربما يشكل الوجود البحري الصيني في الصومال فرصة للحصول على دعم فني وتقني لبناء قوة بحرية وطنية قادرة على حماية المصالح الصومالية في المستقبل.
7. القرصنة الصومالية بعد 17 عامًا: هل انتهت فعلًا؟

تراجع خطر القرصنة بفضل الجهود الدولية، لكنه لم يختفِ كليًا.
وفي حال تجددت التهديدات، سيكون لانتشار الصين البحري تأثير مباشر على خريطة الأمن البحري في المنطقة.
إن الوجود البحري الصيني في الصومال اليوم أصبح جزءًا من منظومة أوسع تدمج الأمن بالتجارة والسياسة، ما يعكس تحولًا جذريًا في توازن القوى في القرن الأفريقي.
لمعرفة المزيد: أسعار الذهب في الصومال الآن: أحدث التغيرات والتوقعات ليوم 10 أكتوبر 2025
يبقى السؤال المفتوح: إلى أي مدى يمكن للصومال الاستفادة من هذا الحضور دون أن يتحول إلى ورقة في لعبة النفوذ بين القوى الكبرى؟
إن الوجود البحري الصيني في الصومال يعكس رؤية بكين لبناء حضور عالمي متصاعد، لكنه في الوقت نفسه يختبر قدرة مقديشو على إدارة مصالحها الوطنية بذكاء واستقلالية.
وبينما تواصل السفن الصينية مهمتها الجديدة في خليج عدن، تبدو المنطقة أمام مرحلة جديدة من الأمن البحري الممزوج بالسياسة الدولية.