أثارت مشاركة الصومال في سد النهضة عبر حضور الرئيس حسن شيخ محمود حفل الافتتاح في إقليم بني شنغول الإثيوبي، جدلًا داخليًا وإقليميًا واسعًا. وبينما رأى البعض أن الخطوة تُظهر تقاربًا مع أديس أبابا، اعتبرها آخرون جزءًا من سياسة متوازنة تسعى من خلالها مقديشو إلى حماية مصالحها في منطقة القرن الأفريقي، حيث تتقاطع حسابات القاهرة وأديس أبابا. فما هي أبرز دلالات هذه المشاركة؟
1. البعد الاستراتيجي للصومال

يسعى الصومال إلى استثمار موقعه الجغرافي المميز على المحيط الهندي وقربه من باب المندب كورقة ضغط في معادلات النفوذ الإقليمي. فـ مشاركة الصومال في سد النهضة ليست انحيازًا، بل محاولة لإبراز أنه لاعب مستقل قادر على المناورة بين القوى الكبرى، بعيدًا عن التبعية لأي طرف.
2. الرسائل الموجهة إلى مصر

القاهرة كانت من أبرز الداعمين لمقديشو في مواجهة محاولات إثيوبيا للحصول على منفذ بحري. لذا أثارت مشاركة الصومال في سد النهضة تساؤلات حول موقفه من مصر. غير أن القراءة الاستراتيجية تشير إلى أن الخطوة لم تكن نكرانًا للجميل، بل جزءًا من دبلوماسية التوازن التي تسمح لمقديشو بالحفاظ على قنوات مفتوحة مع جميع الشركاء.
3. الرسائل الموجهة إلى إثيوبيا
من زاوية أخرى، تُفهم مشاركة الصومال في سد النهضة على أنها رسالة تطمين لأديس أبابا بعد التوترات السابقة. لكن تصريحات الرئيس حسن شيخ محمود أكدت أن الحضور لا يعني الاصطفاف، بل الدعوة إلى شراكة إقليمية تقوم على التنمية المشتركة وتجاوز المكاسب الأحادية.
4. المخاطر التي تواجه الصومال

الخطوة لم تخلُ من مخاطر. فـ مشاركة الصومال في سد النهضة قد تُفسر خطًأ بأنها اصطفاف مع طرف ضد آخر، ما يهدد بخسارة دعم أحد الشريكين. كما يواجه الصومال تحدي تجنب الانجرار إلى صراع أوسع حول مياه النيل، وهو ملف تتداخل فيه اعتبارات الأمن القومي لدول كبرى مثل مصر والسودان.
5. خيارات الصومال إذا تفجرت الأزمة
إذا تصاعد الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا، أمام مقديشو عدة خيارات:
- الحياد، وهو الأكثر أمانًا لكنه قد يُفسَّر ضعفًا.
- الاصطفاف مع مصر، وهو الخيار الأرجح نظرًا للدعم السياسي والعسكري التاريخي.
- الانحياز إلى إثيوبيا، وهو احتمال ضعيف بسبب الذاكرة الصومالية السلبية تجاه طموحات أديس أبابا.
في جميع الأحوال، تظل مشاركة الصومال في سد النهضة اختبارًا لقدرة قيادته على المناورة بدبلوماسية حذرة.
ما رأي المجتمع داخل الصومالي؟
داخل الصومال، أثارت المشاركة نقاشات حادة. نواب مثل عبد الرحمن عبد الشكور حذّروا من أن البلاد أصبحت في قلب تنافس إقليمي محتدم. ويتخوف الشارع من أن تتحول مقديشو إلى ساحة لتصفية الحسابات، في حال فشلت في إدارة علاقاتها مع مصر وإثيوبيا بشكل متوازن.
البعد الإقليمي .. بعد مشاركة الصومال في سد النهضة
لم تأتِ مشاركة الصومال في سد النهضة بمعزل عن سياق إقليمي أوسع، حيث تلعب إريتريا والاتحاد الأفريقي أدوارًا مهمة في الحد من التوتر. ومن خلال هذه الشبكة المتعددة من الشركاء، تحاول مقديشو توسيع خياراتها الدبلوماسية وتعزيز استقلال قرارها السياسي.
تعرف المزيد: الرئيس الصومالي يشارك في افتتاح سد النهضة الإثيوبي وأثره على التعاون الإقليمي
يمكن القول إن مشاركة الصومال في سد النهضة لم تكن مجرد حضور بروتوكولي، بل خطوة محسوبة تحمل دلالات استراتيجية. فهي محاولة لتأكيد أن الصومال ليس ورقة بيد الآخرين، بل طرف يسعى لصياغة دوره في معادلة إقليمية معقدة. ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي هو قدرة مقديشو على الاستمرار في هذا التوازن الدقيق، وسط تحالفات متغيرة وصراعات مفتوحة في منطقة القرن الأفريقي.