تشهد السيارات الكهربائية في أفريقيا تحولًا لافتًا يضع القارة في قلب سباق عالمي نحو التنقل المستدام. فبينما تواجه الشركات الصينية قيودًا مشددة في الأسواق الأمريكية والأوروبية، تتجه الأنظار الآن إلى القارة السمراء كمركز جديد للتصنيع والاستهلاك.
ومع تصاعد التنافس الجيوسياسي في مجال الطاقة النظيفة، بات السؤال الملحّ: كيف تُعيد السيارات الكهربائية في أفريقيا رسم خريطة الاقتصاد الأخضر العالمي؟
1. منجم المعادن إلى مركز التصنيع: أفريقيا تغيّر موقعها في سلسلة التوريد

لم تعد أفريقيا مجرد مصدر خام للكوبالت والليثيوم والمعادن النادرة، بل بدأت تتحول إلى حلقة صناعية مهمة في إنتاج السيارات الكهربائية في أفريقيا.
في المغرب، تُشيّد شركة “غوتيون هاي تيك” الصينية أول مصنع ضخم للبطاريات في القارة بمدينة القنيطرة، في خطوة وُصفت بأنها تحول استراتيجي سيجعل المغرب محورًا لصادرات السيارات الكهربائية نحو أوروبا وأفريقيا.
هذا المشروع يُجسّد الانتقال من اقتصاد يعتمد على التعدين إلى اقتصاد صناعي متكامل، وهو ما تحتاجه القارة لتثبيت مكانتها في سلسلة القيمة العالمية.
2. الصين تبحث عن أسواق جديدة… وأفريقيا تفتح الأبواب

بعد الرسوم الجمركية الأميركية والأوروبية على السيارات الصينية، اتجهت شركات مثل BYD وChery وWuling إلى أسواق الجنوب العالمي.
تسعى هذه الشركات إلى تعزيز حضور السيارات الكهربائية في أفريقيا من خلال توسيع شبكة الوكلاء في جنوب أفريقيا وكينيا وغانا.
ويقول توني ليو، الرئيس التنفيذي لشركة “شيري” في جنوب أفريقيا:
“نرى في جنوب أفريقيا بوابة استراتيجية إلى القارة، بفضل نظام تمويل السيارات المتطور ومستهلكيها الناضجين.”
هذه السياسة التوسعية تتماشى مع خطة بكين لتحويل القارة إلى قاعدة إنتاج وتوزيع رئيسية ضمن خريطة السيارات الكهربائية في أفريقيا.
3. حكومات أفريقية تقود التحوّل: من نيروبي إلى كيغالي

تسير الحكومات الأفريقية بخطى متسارعة نحو تشجيع التحول إلى السيارات الكهربائية في أفريقيا.
ففي كينيا، وفّرت الحكومة إعفاءات ضريبية ودعمت البنية التحتية لمحطات الشحن، ما جعل العاصمة نيروبي نموذجًا ناجحًا للنقل الأخضر.
أما أوغندا، فقد تبنت سياسة وطنية للتنقل الكهربائي منذ عام 2018، وتهدف إلى كهربة وسائل النقل العام بالكامل بحلول 2030.
وتبرز رواندا كمثال آخر، حيث أطلقت برامج لتحويل الدراجات النارية وسيارات الأجرة إلى نسخ كهربائية تعمل بالطاقة النظيفة.
كل ذلك يشير إلى أن السيارات الكهربائية في أفريقيا لم تعد مجرد استيراد تقني، بل مشروع وطني واستثماري طويل الأمد.
4. المغرب وجنوب أفريقيا: قطبا الصناعة الجديدة
يُعتبر المغرب وجنوب أفريقيا العمودين الأساسيين في بنية السيارات الكهربائية في أفريقيا.
فالمغرب الذي يُصدّر 90% من سياراته إلى أوروبا، يهدف إلى أن تكون 60% من صادراته كهربائية بحلول 2030.
بينما أعلنت جنوب أفريقيا عن تخصيص مليار راند لدعم التصنيع المحلي للسيارات الكهربائية والبطاريات، بهدف خفض الانبعاثات والحفاظ على مكانتها كمركز إقليمي للصناعة.
هذه الخطوات لا تعكس فقط الشراكة مع الصين، بل تؤكد طموح القارة لتصبح لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد الأخضر العالمي.
5. الوعد والفخ: هل تحقق أفريقيا مكاسب حقيقية؟

رغم الطفرة المتسارعة في انتشار السيارات الكهربائية في أفريقيا، يحذر الخبراء من مخاطر “التبعية الخضراء”.
فالمصانع التي تُقام غالبًا تظل محدودة بنشاط التجميع دون نقل فعلي للتكنولوجيا، مما يُبقي القيمة المضافة خارج القارة.
كما أن عمليات استخراج المعادن المستخدمة في البطاريات، إذا لم تُنظم بشكل شفاف، قد تُعيد إنتاج أنماط الاستغلال البيئي والاجتماعي القديمة.
ويحذر باحثون من أن تصبح السيارات الكهربائية في أفريقيا عنوانًا جديدًا لتبعية اقتصادية في ثوب بيئي، ما لم تُمنح الدول الأفريقية صوتًا أقوى في تحديد الشروط والاتفاقيات.
تعرف المزيد: الصومال تسعى لتحويل ميناء مقديشو إلى مركز تجاري محوري في المنطقة
نحو مستقبل عادل ومستدام
رغم التحديات، تملك القارة فرصة فريدة لتشكيل مستقبلها. إن نجاح مشروع السيارات الكهربائية في أفريقيا لا يتوقف فقط على الاستثمارات الصينية، بل على بناء شراكات قائمة على العدالة البيئية ونقل التكنولوجيا.
إذا ما استطاعت أفريقيا فرض شروطها في هذا التحول الأخضر، فقد تصبح ليس فقط مستهلكًا، بل صانعًا لمستقبل الطاقة في العالم.
