تعاني الخدمات الصحية في الصومال من ضغوط غير مسبوقة نتيجة مزيج معقّد من الصراعات الطويلة، وتكرار الكوارث المناخية، وتراجع التمويل الدولي. وفي ظل هذا الواقع الصعب، تحاول منظمة الصحة العالمية وشركاؤها الحفاظ على استمرارية الخدمات الأساسية وضمان وصولها إلى الفئات الأكثر هشاشة.
1. بنية تحتية هشة تعتمد على المساعدات الخارجية

تُعد الخدمات الصحية في الصومال من بين الأكثر هشاشة في العالم، إذ يعتمد نحو 95% من تمويل القطاع الصحي على المانحين الخارجيين. هذا الاعتماد المفرط يجعل النظام الصحي الصومالي عرضة لتقلبات التمويل الدولي وتغير أولويات الجهات المانحة، مما يؤدي إلى تعطّل مشاريع حيوية في مجالات الرعاية الأولية، والتطعيم، والتغذية.
تُظهر الإحصاءات أن تخفيضات التمويل الأخيرة أدت إلى توقف أو تقليص برامج أساسية، ما أثر على أكثر من 1.7 مليون شخص في أنحاء البلاد.
2. منظمة الصحة العالمية: دعم استراتيجي يتجاوز المساعدات

تلعب منظمة الصحة العالمية دورًا يتجاوز الدعم التقني ليصبح استراتيجيًا في قيادة وتنسيق الخدمات الصحية في الصومال.
من خلال برامج التحصين ومراقبة الأمراض وتدريب العاملين الصحيين، دعمت المنظمة إنشاء 74 فريق استجابة سريعة، و65 مركز تغذية، و11 مستشفى متخصص في إدارة الصدمات.
كما ساهمت في تعزيز الكشف المبكر عن تفشي الأمراض من خلال 412 موقع مراقبة و7 مختبرات وطنية، مما جعلها شريكًا محوريًا لوزارة الصحة في مواجهة الأزمات الصحية المتكررة.
3. التكيف مع الواقع المالي الجديد

استجابة لأزمة التمويل، اتخذ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصومال تدابير داخلية صارمة لضمان استمرار الخدمات الصحية في الصومال دون المساس بجودتها.
شملت هذه التدابير خفض النفقات التشغيلية، وإعادة ترتيب الأولويات نحو التدخلات المنقذة للحياة، وتعزيز المساءلة من خلال أنظمة مراقبة وإبلاغ أكثر دقة وشفافية.
ورغم الصعوبات، حافظت المنظمة على وجودها في الميدان، مؤكدة التزامها بحماية العاملين الصحيين وضمان استمرار الخدمة في المناطق عالية الخطورة والنائية.
4. شراكات جديدة لتأمين التمويل وضمان الاستدامة

في مواجهة فجوة التمويل، اعتمدت منظمة الصحة العالمية نهجًا أكثر تنوعًا لتعبئة الموارد من أجل دعم الخدمات الصحية في الصومال.
عملت المنظمة على تعزيز التعاون مع الجهات المانحة التقليدية، إلى جانب التواصل مع شركاء جدد من دول مجلس التعاون الخليجي، والمؤسسات الخيرية، والقطاع الخاص.
كما شاركت في مبادرات مشتركة مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى لضمان تنسيق الجهود وتحقيق أقصى أثر ممكن من الموارد المحدودة، ما يعكس تحولًا نحو نموذج أكثر استدامة ومرونة في دعم الصحة العامة بالصومال.
5. القيادة والصمود في بيئة معقدة

تُظهر تجربة منظمة الصحة العالمية في الصومال أن القيادة في الأزمات لا تقتصر على الإدارة المالية فحسب، بل تشمل الصمود والتأقلم.
ورغم أن التمويل تراجع بشكل ملحوظ، إلا أن المنظمة نجحت في الحفاظ على تماسك الخدمات الصحية في الصومال واستمراريتها في أصعب الظروف.
وقالت ممثلة منظمة الصحة العالمية في الصومال، الدكتورة رينيه فان دي ويردت:
“يظل الدعم المالي المستمر ضروريًا لحماية التقدم المحرز في تحسين النتائج الصحية ومنع المزيد من الضغوط على نظام صحي هش بالفعل.”
تعرف المزيد: 6 نتائج مذهلة لـتطوير سلسلة قيمة الأعلاف في الصومال
نحو مستقبل صحي أكثر استدامة
تسعى منظمة الصحة العالمية اليوم إلى تحويل التحدي إلى فرصة، عبر بناء نظام صحي أكثر كفاءة واستقلالية.
ورغم الأزمات المتكررة، تُعد الخدمات الصحية في الصومال مثالًا على إمكانية التغيير عندما تتضافر الجهود الدولية والمحلية مع إرادة حقيقية للإصلاح.
تواصل المنظمة وشركاؤها العمل بلا كلل لضمان ألا يُترك أحد خلف الركب، مؤمنة بأن الاستثمار في الصحة هو استثمار في مستقبل الصومال واستقراره.
 
									 
					