أثار التصويت على إعلان نيويورك وحل الدولتين لدعم حل الدولتين في 12 سبتمبر 2025 جدلًا واسعًا، ليس فقط بسبب نتائجه، ولكن أيضًا بسبب الغياب اللافت لدول عربية وإسلامية بارزة. فقد امتنعت أو تغيبت دول مثل العراق وتونس وإيران والكاميرون وألبانيا وإثيوبيا وجنوب السودان، بينما صوّتت دول غربية معروفة بدعمها لإسرائيل لصالح القرار. هذه المفارقة طرحت تساؤلات حول توازنات جديدة في السياسة الدولية.
1.مضمون إعلان نيويورك وحل الدولتين والتحفظات عليه
نص إعلان نيويورك وحل الدولتين على إدانة هجمات 7 أكتوبر التي نفذتها حماس، واشترط إنهاء سيطرتها على قطاع غزة ونزع سلاحها كمدخل لأي تسوية. كما طالب باستبعاد الحركة من أي حكومة فلسطينية مستقبلية. كثير من الدول رأت أن هذه الشروط تُقصي لاعبًا رئيسيًا من المشهد الفلسطيني، مما يقلل فرص تطبيق الإعلان على أرض الواقع.
2. الحسابات الإيرانية والرسائل غير المباشرة
إيران، التي غابت عن التصويت، طالما عبرت عن رفضها لمفهوم حل الدولتين، معتبرة أنه اعتراف ضمني بإسرائيل. لكن هذه المرة، يرى مراقبون أن غيابها قد يكون مرتبطًا بحسابات تفاوضية مع السعودية وفرنسا، الدولتين الراعيتين للقرار. طهران تحاول موازنة موقفها بين دعم “المقاومة” وبين تجنّب عزلة دبلوماسية متزايدة.
3. تونس والعراق بين التذبذب والضغوط
تونس، التي دعمت في 2024 عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة، بدت أكثر تحفظًا هذه المرة. امتناعها عن التصويت على إعلان نيويورك وحل الدولتين فُسّر بأنه انعكاس لتقلبات في سياستها الخارجية. أما العراق، فانقسامه الداخلي بين تيارات سياسية مرتبطة بإيران جعل موقفه أكثر تعقيدًا، وهو ما يفسر الغياب عن التصويت.
4. المواقف المترددة تحت المظلة الأمريكية
الولايات المتحدة رفضت الإعلان واعتبرته “هدية مجانية لحماس”. هذا الموقف ضغط بشكل غير مباشر على دول حليفة لها مثل الكاميرون وألبانيا. امتناعهما عن التصويت لم يكن مفاجئًا، بل جاء انعكاسًا لاصطفافهما مع واشنطن في ملفات إقليمية ودولية متعددة.
5. الدور السعودي الفرنسي والدعم العربي
رغم الانقسام، لعبت السعودية وفرنسا دورًا محوريًا في صياغة إعلان نيويورك وحل الدولتين والدفع باتجاه تمريره. الرياض أكدت أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد نحو الاستقرار، بينما وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإعلان بأنه “مسار لا رجعة فيه”. غالبية الدول العربية صوتت لصالح القرار، معتبرة إياه خطوة نحو إعادة إحياء المبادرة العربية للسلام.
6. بين النصوص علي الورق والواقع الميداني
ورغم أن إعلان نيويورك وحل الدولتين، أدان الانتهاكات الإسرائيلية ورفض سياسات التهجير القسري والحصار في غزة، فإن التنفيذ يبقى مرهونًا بالواقع السياسي والعسكري. في اليوم التالي للتصويت، كثّف الجيش الإسرائيلي غاراته على القطاع، ما كشف الفجوة بين القرارات الأممية والتطورات على الأرض. وفي الوقت ذاته، يظل الانقسام الفلسطيني الداخلي، خاصة بين السلطة وحماس، عقبة كبرى أمام أي تسوية.
7. قطر تنتقد إسرائيل بحدة
في خضم الجدل حول إعلان نيويورك وحل الدولتين، خرج رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بانتقاد لاذع لإسرائيل، واصفًا قادتها بـ”المتعجرفين”. وجاء ذلك بعد غارة إسرائيلية على الدوحة أودت بحياة خمسة من عناصر حماس كانوا يبحثون صفقة بوساطة أمريكية. هذا الموقف أوضح أن إسرائيل مستمرة في التصعيد حتى مع وجود قرار أممي يدعو للسلام.
8. تل أبيب تصف الإعلان مسرحية
ردّ إسرائيل لم يتأخر، إذ وصفت الإعلان بأنه “مخزٍ” واعتبرت جلسة الأمم المتحدة “مسرحية سياسية”. وبالتزامن، شنّ الجيش الإسرائيلي موجة واسعة من الغارات على غزة استهدفت مئات المواقع، وامتد القصف ليصل إلى لبنان واليمن وسوريا وحتى قطر وتونس.
9. الفلسطينيون بين بصيص الأمل و الإنقسامات
السلطة الفلسطينية رحبت بالتصويت، ورأت أن إعلان نيويورك وحل الدولتين خطوة تعيد إحياء حلم الدولة على حدود 1967. لكن الانقسام مع حماس يظل حجر عثرة، خاصة أن استبعاد الحركة من أي حل يزيد الشرخ الداخلي بدل أن يجمع الصف.فبينما يحظى الإعلان بدعم دولي واسع (142 صوتًا مؤيدًا مقابل 10 معارضين و12 ممتنعًا)، فإن اشتراط استبعاد حماس يعمّق التباينات.
10.سلام مدعي.. وواقع حرب
وبينما العالم يحتفي بالقرار، كان المشهد في غزة مختلفًا تمامًا؛ قصف مدفعي إسرائيلي أوقع عشرات الضحايا بعد ساعات من التصويت. والأغرب أن الحديث عن السلام يترافق مع تسارع الاستيطان في الضفة، ما يجعل الطريق إلى حل الدولتين أكثر وعورة.
تعرف المزيد: زيارة ماركو روبيو لإسرائيل بعد 5 أيام من الغارة على قطر وتصاعد الحرب في غزة
يظهر إعلان نيويورك كمحطة دبلوماسية بارزة تعكس صراع التوازنات في الشرق الأوسط والعالم. وبينما دعمته 142 دولة، فإن غياب أو امتناع بعض الدول العربية والإسلامية كشف أن الطريق إلى حل الدولتين ما زال مليئًا بالتحديات. وفي ظل استمرار الاحتلال والانقسام الفلسطيني، يبقى السؤال الأهم: هل يظل الإعلان وثيقة رمزية أم يتحول إلى خارطة طريق حقيقية للسلام؟