أدت الحرب الأهلية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي إلى موجة نزوح واسعة في الصومال، لتتحول البلاد إلى ساحة أزمة إنسانية عميقة. فرّ معظم السكان من العنف المتصاعد في مقديشو ومناطق أخرى نحو كينيا وإثيوبيا، ثم إلى دول أبعد مثل أوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط. وبعد مرور عقود، لا تزال آثار هذه المأساة واضحة نتيجة الفشل الهيكلي للحكومات الصومالية المتعاقبة، وعجزها عن تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، ما جعل البلاد غارقة في أزمات داخلية تهدد الصومال وتمنعها من جذب الاستثمارات أو الحفاظ على مؤسسات الدولة.
10 أزمات داخلية تهدد الصومال
تعيش الصومال حالة من التحديات المعقدة التي تضغط على إدارة الرئيس حسن شيخ محمود، حيث تتنوع أزمات الصومالبين تصاعد خطر التنظيمات الإرهابية، والمعارضة السياسية لطموحات الرئيس المتعلقة بنظام الحكم، وصولًا إلى التدهور الاقتصادي. فيما يلي أبرز ملامح هذه الأزمات:
1 التنظيمات الإرهابية تصعّد هجماتها
تواجه الصومال خطرًا متزايدًا من التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها حركة الشباب المجاهدين الموالية لتنظيم القاعدة، والتي تُعد الأقدم والأكثر نشاطًا وتأثيرًا، بالإضافة إلى تنظيم داعش – ولاية الصومال الموالي لتنظيم داعش، الذي يواصل تنفيذ عمليات متفرقة وإن كان نشاطه أقل حدة مقارنة بالشباب.
رغم أن حكومة شيخ محمود نجحت نسبيًا منذ توليها السلطة في مايو 2022 في تحقيق تقدم ميداني ضد هذه التنظيمات، بمساندة القوات العشائرية المحلية ودعم القوات الأمريكية وبعثة الاتحاد الإفريقي (أتميس)، فضلًا عن تدريب الجيش الصومالي على يد وحدات تركية ومصرية وإماراتية، إلا أن الوضع تغيّر مع مطلع عام 2025. فقد تراجع تعاون بعض القيادات العشائرية مع الحكومة، بالتزامن مع استمرار انسحاب قوات “أتميس” تمهيدًا لانتقال المهام إلى بعثة “أوصوم”، ما منح حركة الشباب فرصة لإعادة تنظيم صفوفها وتكثيف هجماتها، مستهدفة المسؤولين، والمؤسسات الحكومية، والقوات المتحالفة معها، وحتى المدنيين، وهو ما يعكس حجم أزمات داخلية تهدد الصومال وتزيد تعقيد المشهد الأمني.
2 أبرز الهجمات الإرهابية الأخيرة

- 15 مارس 2025: شنّ مقاتلو الشباب هجومًا على قواعد للجيش الصومالي في منطقة “أوديغلي” بإقليم “شبيلي السفلى”، إضافة إلى هجمات أخرى على منطقتي “حواء عبده” و”لفولي” القريبتين من مقديشو.
- 18 مارس 2025: تعرض موكب الرئيس شيخ محمود لانفجار لغم أرضي قرب القصر الرئاسي في حي “حمر ججب”، ما أسفر عن مقتل 8 مدنيين وإصابة آخرين، بينما نجا الرئيس.
- 24 مارس 2025: استهدف مسلحون من الحركة قاعدة للشرطة الكينية في “بيامادو” بمنطقة جاريسا الحدودية، وأسفر الهجوم عن مقتل 6 من أفراد الشرطة وإصابة 4 آخرين.
- 6 أبريل 2025: استهدف مطار “آدم عدي” الدولي في مقديشو بقذائف هاون، مما تسبب في اضطراب حركة الطيران، دون تسجيل خسائر بشرية.
- 6 أبريل 2025: سيطر مقاتلو الشباب على بلدة “عدن يابال” وسط البلاد بعد معارك عنيفة، واستولوا على 10 منشآت عسكرية كانت تحت سيطرة القوات الحكومية.
3 نشاط داعش الموازي

لم يقتصر التهديد على حركة الشباب، حيث شنّ تنظيم داعش ولاية الصومال عدة هجمات بارزة، من بينها:
- 31 ديسمبر 2024: هجوم على قاعدة عسكرية في إقليم “بونتلاند” بمنطقة “باري”، أسفر عن مقتل نحو 20 جنديًا.
- 5 إلى 12 فبراير 2025: شن التنظيم سلسلة هجمات على مواقع أمنية في جبال “كال ميسكاد” في منطقة “باري”، وأوقعت الهجمات خسائر كبيرة بين القوات الحكومية.
تصاعد نشاط التنظيمين جعل الوضع الأمني عبئًا متزايدًا ضمن أزمات داخلية تهدد الصومال.
4 التعديلات الدستورية ومعارضة واسعة

يسعى الشيخ إلى إجراء تعديلات جذرية على النظام السياسي، تشمل التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وزيادة مدة ولاية الرئيس من 4 إلى 5 سنوات، وإلغاء منصب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى الانتقال من نظام المحاصصة العشائرية (4.5) إلى نظام انتخاب مباشر وتعددية حزبية محصورة بثلاثة أحزاب.
هذه الخطوات أثارت موجة رفض قوية من شخصيات بارزة، أبرزهم الرؤساء السابقون محمد عبد الله فرماجو وشريف شيخ أحمد، إلى جانب رئيسي وزراء سابقين هما حسن علي خيري وعمر عبد الرشيد، بالإضافة إلى زعماء الولايات مثل سعيد دني (بونتلاند) وأحمد مدوبي (جوبالاند).
تواجه التعديلات الدستورية تحديات عملية كبيرة، تشمل الحاجة إلى إصدار قوانين انتخابية جديدة، وحسم وضع “صومالي لاند” الانفصالية في البرلمان، إلى جانب صعوبة تنظيم انتخابات مباشرة بسبب الوضع الأمني المضطرب وتصاعد الهجمات الإرهابية، وهو ما يضيف مزيدًا من التعقيد إلى قائمة أزمات داخلية تهدد الصومال ويعيق مسار الإصلاح السياسي.
5 الاقتصاد الصومالي تحت ضغط الجفاف ونقص التمويل
رغم بوادر التحسن منذ 2022، إلا أن الاقتصاد الصومالي يعاني من أزمة خانقة. فقد خفضت الولايات المتحدة نحو 113 مليون دولار من مساعداتها التنموية (22% من الدعم المخصص للصومال)، إلى جانب خفض تمويل لواء “دنب” في الجيش ورفض تمويل بعثة “أوصوم”.
كما أوقفت منظمة “الرؤية العالمية” المساعدات النقدية للنازحين، ما زاد الضغط على الحكومة.
وفي الجانب الإنساني، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 6 ملايين صومالي، نحو 40% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وقد تسبب الجفاف في عام 2024 في وفاة 43 ألف شخص، نصفهم من الأطفال، لتصبح الأزمة الاقتصادية من أخطر أزمات داخلية تهدد الصومال.
6 هروب رأس المال وتآكل الموارد
يعتبر هروب رؤوس الأموال من أخطر التحديات التي تواجه الصومال، إذ تُنقل الثروات داخله وخارجه دون أي استثمار حقيقي في البنية التحتية أو الخدمات العامة. أدى ذلك إلى خلق فراغ اقتصادي يعوق فرص العمل ويُضعف النمو الاقتصادي، بل ويقود إلى تآكل القاعدة المالية للدولة بشكل متسارع.
7 بطالة الشباب وتفاقم الأزمات الاجتماعية

تصل معدلات البطالة بين الشباب الصومالي إلى أكثر من 60%، ما يخلق بيئة خصبة للجريمة والانضمام إلى الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب. يعاني الشباب من نقص فرص العمل وفقدان الأمل، ما يجعلهم عرضة للاستقطاب أو الانخراط في أعمال غير قانونية.وهي واحدة من أخطر أزمات داخلية تهدد الصومال.
8 الإرهاب وتأثيراته النفسية والاجتماعية
يُضاف إلى هذه التحديات خطر الإرهاب، حيث تعيش الصومال حالة من انعدام الأمن وفقدان الثقة بين المواطنين. هذا الوضع ينعكس على الاقتصاد الوطني، إذ يهرب المستثمرون المحليون والأجانب، ويتردد أصحاب الأعمال في ضخ أموالهم داخل البلاد خوفًا من الخسائر أو انعدام الاستقرار.مما يزيد حدة أزمات داخلية تهدد الصومال.
9 فوضى في الاستثمارات ونقص الثقة الدولية
في عام 2023، استحوذ المستثمرون الصوماليون على أكثر من 35% من الاستثمارات الخارجية، خصوصًا في العقارات والتجارة في كينيا وتركيا والإمارات. هذا التوجه يكشف أن الصومال تفتقر إلى بيئة استثمارية آمنة ومحفزة داخلية، ما يسرّع من نزيف الأموال نحو الخارج.
10 التحدي الأكبر: إصلاح الداخل قبل مواجهة الخارج
يرى الخبراء أن أخطر ما يواجه الصومال ليس التدخلات الخارجية فقط، بل تفشي الفساد وضعف المؤسسات وفقدان الثقة الشعبية. الحل يكمن في بناء ركائز قوية للسيطرة على أزمات داخلية تهدد الصومال ومنها:
- تعزيز الحكم الرشيد.
- محاربة الفساد عبر قوانين واضحة وشفافة.
- بناء مؤسسات قوية لجذب الاستثمارات وخلق فرص العمل.
تعرف المزيد: المانحون الصوماليون يفقدون الثقة فما السبب؟
هل يمكن تجاوز أزمات داخلية تهدد الصومال لتحقيق النهوض من الداخل؟
إذا استمرت حالة هروب رأس المال وضعف البنية الاقتصادية،فقد تبقى أزمات داخلية تهدد الصومال هي العائق الأكبر أمام أي استقرار أو نمو.، مهما حاول مواجهة المخاطر الخارجية. إن الاستثمار في الداخل، وبناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، هو السبيل الوحيد لتحقيق استقرار حقيقي ونمو اقتصادي مستدام.