لم يعد تيك توك في الصومال مجرد منصة للرقصات والمقاطع الكوميدية، بل أصبح مرآة تعكس التوترات الاجتماعية والسياسية في بلد يعاني من هشاشة البنية الاجتماعية والانقسام العشائري. ما بدأ كوسيلة ترفيهية تحول تدريجيًا إلى ساحة رقمية تُعيد تشكيل الهوية الصومالية، وتغذي خطاب الانقسام بدلًا من الوحدة.
لكن كيف حدث ذلك؟ وما الذي جعل التطبيق بهذه القوة في التأثير على مجتمع تقليدي مثل المجتمع الصومالي؟
1. من منصة ترفيه إلى ساحة عشائرية رقمية

منذ عام 2020، شهد تيك توك في الصومال انتشارًا واسعًا بين فئة الشباب. ومع أكثر من 3.9 مليون مستخدم، أصبح التطبيق مساحة رئيسية للتعبير والهوية. غير أن الساحة الرقمية لم تبقَ بريئة، إذ تحوّل الخطاب على المنصة إلى منافسة عشائرية بين المؤثرين والمتابعين، تُبث فيها “معارك العشائر” مباشرة أمام الآلاف من المشاهدين.
2. خوارزميات تُغذي الانقسام

تعتمد خوارزميات تيك توك في الصومال على مبدأ التفاعل العاطفي. فكلما كان المحتوى مثيرًا للغضب أو الفخر القبلي، زادت فرص انتشاره. وبذلك، تُكافئ المنصة صُنّاع المحتوى الذين يستفزون المشاعر العشائرية، مما يجعل الانقسام مادة مربحة رقمياً.
هذه الديناميكية جعلت التطبيق لا يعكس الواقع فقط، بل يضخّمه وينقله من العالم الواقعي إلى الافتراضي، والعكس صحيح.
3. شباب يقودون المشهد العشائري الجديد

في الماضي، كانت السياسات العشائرية تُدار داخل مجالس الشيوخ أو “الشير”، لكن اليوم تغيّر المشهد كليًا. على تيك توك في الصومال، أصبح المراهقون والشباب – بل وحتى الشابات – قادرين على التعبير عن هوياتهم العشائرية عبر البث المباشر والميمات والأغاني.
اللافت أن هؤلاء الذين كانوا مهمّشين سياسيًا، أصبحوا الآن مؤثرين رقميًا، يقودون الرأي العام العشائري عبر هواتفهم المحمولة.
4. الاقتصاد الجديد للولاء القبلي

تحوّلت “معارك تيك توك” بين المؤثرين الصوماليين إلى تجارة حقيقية. تُرسل التبرعات الرقمية، وتُحسب العملات كرمز للفخر والانتماء. بل تشير بعض التقارير إلى أن جزءًا من هذه الأموال استخدم لدعم صراعات محلية في مناطق مثل لاسعانود عام 2023.
بهذا، أصبح تيك توك في الصومال ليس فقط ساحة كلامية، بل وسيلة لتمويل نزاعات على أرض الواقع.
5. من الفكاهة إلى خطاب الكراهية

ما كان يُعتبر نكتة عابرة أصبح اليوم سلاحًا للانقسام. فمقاطع السخرية من العشائر الأخرى تنتشر بسرعة على تيك توك في الصومال، ليعيد الأطفال ترديدها في المدارس، مكرّسين صورًا نمطية جديدة لم تكن مألوفة في الثقافة الصومالية.
يقول أحد الباحثين: “لقد مزّق تيك توك العائلات والأقارب؛ جعل ما كان محظورًا مقبولًا، وما كان سرًّا علنيًا”.
6. الخطر في امتداد الانقسام خارج الإنترنت
الخطورة لا تكمن فقط في الخطاب الرقمي، بل في انتقاله إلى أرض الواقع.
على تيك توك في الصومال، تحولت المنافسة الافتراضية إلى دعوات فعلية للحشد القبلي، وتبرعات موجّهة لصراعات ميدانية. في مجتمع يعاني من ضعف المؤسسات، يُمكن لمقطع فيديو واحد أن يُشعل صراعًا محليًا في ساعات.
7. ضعف الإشراف على المحتوى الصومالي
رغم أن تيك توك في الصومال يشهد نشاطًا متزايدًا، إلا أن اللغة الصومالية لا تزال شبه غائبة عن فرق الإشراف الخاصة بالمنصة.
قلة من المشرفين يفهمون الرموز والمصطلحات المحلية، مما يجعل المحتوى التحريضي يمر دون رقابة حقيقية. وهو ما يطرح تساؤلات حول مسؤولية المنصة تجاه المجتمعات الهشة.
8. الفرصة المهدورة: الوحدة الثقافية

رغم كل هذا الجدل، يقدم تيك توك في الصومال أيضًا فرصًا كبيرة لتعزيز الوحدة الوطنية. فالكثير من المبدعين الصوماليين يستخدمون المنصة لتسليط الضوء على التراث والموسيقى والمناظر الطبيعية.
مقاطع تظهر الرقصات الشعبية والأغاني التراثية الصومالية تجمع آلاف المشاهدات وتخلق شعورًا بالانتماء الإيجابي. لكن هذه الأصوات الهادئة غالبًا ما تُدفن تحت ضجيج الصراعات القبلية الرقمية.
9. ماذا يمكن فعله؟
للحد من مخاطر تيك توك في الصومال، يجب التحرك على عدة مستويات:
إنشاء فرق إشراف محلية تتحدث الصومالية وتفهم السياق الثقافي.
تدريب الشباب على الثقافة الرقمية ومخاطر التحريض العشائري.
تشجيع صانعي المحتوى الإيجابي ودعمهم ماديًا ومعنويًا.
تعاون الشيوخ والمجتمع المدني في نشر رسائل الوحدة بدل الانقسام.
10. بين الانقسام والأمل

في نهاية المطاف، يُمثّل تيك توك في الصومال سلاحًا ذا حدين.
يمكن أن يكون جسرًا للتواصل الثقافي والتفاهم بين أبناء الوطن والشتات، أو أداة تُعمّق الجراح القديمة بين العشائر.
يبقى السؤال المفتوح: هل سيستخدم الصوماليون هذه المنصة لتقسيم مجتمعهم أكثر، أم سيحوّلونها إلى مساحة للوحدة والإبداع؟
تعرف المزيد: 10 أسباب تجعل الذكاء الاصطناعي التوليدي يهدد هيمنة ويكيبيديا على الإنترنت
إنّ فهم تأثير تيك توك في الصومال ضرورة ملحّة، ليس فقط للباحثين أو المراقبين، بل لكل من يسعى إلى بناء مستقبل أكثر تماسكًا واستقرارًا. فالمنصة، رغم قوتها في الترفيه، تُعيد تشكيل هوية أمة كاملة في زمن العولمة الرقمية.
