يدخل وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ عند الساعة الثانية عشرة ظهر اليوم الخميس 9 أكتوبر، بعد مفاوضات ماراثونية استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية على مدى أيام، بمشاركة وفود من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل وحماس. ويُعدّ هذا الاتفاق المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023، وأسفرت عن دمار غير مسبوق في القطاع.
وبحسب مصادر مطلعة، تتضمن المرحلة الأولى وقفًا شاملًا لإطلاق النار في غزة، وانسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية من المناطق المكتظة، وتبادل الأسرى والجثامين بين الطرفين، إلى جانب إدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري بإشراف أممي ومصري.
ويُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه أول خطوة عملية في طريق تنفيذ خطة ترامب التي يسعى من خلالها إلى تسجيل “اختراق سياسي” قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة.
ترامب يعلن: بداية جديدة لسلام دائم

في تغريدة نشرها على منصة “تروث سوشيال”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فجر اليوم، التوصل إلى اتفاق شامل لوقف الحرب، مؤكدًا أن جميع الرهائن سيُفرج عنهم قريبًا، وأن القوات الإسرائيلية ستنسحب تدريجيًا من غزة.
ويرى مراقبون أن وقف إطلاق النار في غزة يمثل لترامب “ورقة دبلوماسية انتخابية” يسعى لاستثمارها لتقديم نفسه كصانع سلام جديد، على غرار ما فعله عبر اتفاقات أبراهام عام 2020، التي جمعت إسرائيل بعدد من الدول العربية.
وبينما يصف ترامب هذا التطور بأنه “اختراق تاريخي يمهد الطريق لسلام دائم”، يشكك محللون في نوايا الأطراف، معتبرين أن الهدنة قد تكون “صفقة مؤقتة” أكثر منها تحولًا استراتيجيًا في الميدان.
ضمانات قطرية وأمريكية لحماس

كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية أن الولايات المتحدة وقطر قدمتا ضمانات مكتوبة لحركة حماس بعدم استئناف إسرائيل للقتال عقب تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، في محاولة لضمان استقرار وقف إطلاق النار في غزة.
وتشير الصحيفة إلى أن واشنطن مارست ضغوطًا مكثفة على حكومة تل أبيب للمصادقة على الاتفاق، بينما ستلعب الدوحة دور الضامن والمراقب بالتنسيق مع مصر.
وتؤكد المصادر أن نجاح المرحلة الأولى سيكون اختبارًا حقيقياً لقدرة الأطراف على الانتقال نحو تهدئة دائمة.
غزة تلتقط أنفاسها بعد عامين من الحرب

في شوارع غزة، يسود مزيج من الصمت والترقب.
الناس ينتظرون بفارغ الصبر لحظة سريان وقف إطلاق النار في غزة بعد عامين من القصف والحصار، فيما بدأت فرق الإغاثة بالتحضير لدخول المساعدات فور إعلان الهدنة رسميًا.
ويقول محمود العطار، أحد سكان غزة “نحن نريد فقط يومًا بلا خوف. الهدنة بالنسبة لنا ليست سياسة، إنها حياة.”
وتعد هذه الهدنة الأولى من نوعها منذ 2023، وتثير آمالًا بإعادة إعمار القطاع الذي أنهكته الحرب وغياب الأفق السياسي.
مواقف دولية: ماكرون والاتحاد الأوروبي يرحبان

رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، واعتبره “أملًا كبيرًا للرهائن وللفلسطينيين على حد سواء”، مشيدًا بجهود الرئيس ترامب والوسطاء من مصر وقطر.
أما الاتحاد الأوروبي، فقد وصف الاتفاق بأنه “فرصة نادرة لإنهاء المعاناة”، مؤكدًاً دعمه لإيصال المساعدات الإنسانية واستعداده للمشاركة في جهود إعادة الإعمار.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن الوقت قد حان “لبدء مسار سياسي موثوق نحو حل الدولتين”.
هل تنسحب إسرائيل فعلًا من غزة؟

رغم الترحيب الدولي، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى التزام إسرائيل بالانسحاب من المناطق المأهولة، خصوصًا أن بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية أبدوا تحفظات على خطة ترامب، معتبرين أن الانسحاب “خطر أمني” ما لم تتلق تل أبيب ضمانات بعدم استهداف جنودها.
وفي المقابل، حذرت حماس من أن أي خرق إسرائيلي سيُعدّ انتهاكًا مباشرًا للضمانات الأمريكية والقطرية، وأن الرد سيكون فوريًا.
شرم الشيخ تعيد ترتيب الشرق الأوسط

تُعدّ اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة ثمرة تعاون غير مسبوق بين القاهرة والدوحة وواشنطن، في مشهد يعكس توازنًا دبلوماسيًا جديدًا في الشرق الأوسط.
ويرى محللون أن نجاح اتفاق شرم الشيخ 2025 سيعزز مكانة مصر وقطر كقوتين محوريتين في إدارة النزاعات الإقليمية، بينما يشكل اختبارًا لمصداقية الإدارة الأمريكية في تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.
تعرف المزيد: 5 أسئلة مفتوحة تحكم مصير مفاوضات شرم الشيخ لوقف إطلاق النار في غزة
بين سلام هش وصفقة انتخابية
بينما يترقب العالم لحظة دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ رسميًا، تبقى الأسئلة مفتوحة:
هل سيصمد الاتفاق أمام التجارب السابقة؟ وهل يسعى ترامب فعلًا لتحقيق سلام دائم أم إلى تحقيق نصر انتخابي سريع؟
في كل الأحوال، تبقى غزة الجرح المفتوح منذ سنوات في قلب معركة سياسية ودبلوماسية تتجاوز حدودها الصغيرة نحو مستقبل الشرق الأوسط بأسره.