في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها الصومال سياسيًا وأمنيًا، يبقى الملف الاقتصادي حاضرًا بقوة في أجندة الحكومة. فقد افتتح وزير التخطيط الصومالي اجتماعًا استراتيجيًا مهمًا حول الاقتصاد الوطني الصومالي، ليؤكد بذلك أن مرحلة البناء والتعافي الاقتصادي باتت أولوية لا تقل أهمية عن ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب.
هذا الاجتماع الذي عُقد في العاصمة مقديشو، بحضور نخبة من الخبراء والجهات الدولية، شكّل منصة لرسم خارطة طريق جديدة نحو الاقتصاد الوطني الصومالي والنمو والاستقرار، في بلد يسعى جاهدًا لطي صفحة الحروب والركود الاقتصادي المزمن.
قراءة في واقع الاقتصاد الوطني الصومالي
رغم الظروف السياسية والأمنية المعقدة التي مرت بها الصومال لعقود، بدأت الحكومة الصومالية، مدعومة من شركائها الدوليين، في تنفيذ إصلاحات اقتصادية طموحة تهدف إلى هيكلة المالية العامة، وتحفيز الاستثمارات، وتوسيع القاعدة الإنتاجية.
وتُشير تصريحات وزير التخطيط إلى أن الاقتصاد الوطني الصومالي بدأ يسجل مؤشرات إيجابية في مجالات الزراعة والصادرات وتحويلات المغتربين، رغم التحديات الناجمة عن الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، وغياب البنية التحتية الكاملة.
وفقًا للمصادر الرسمية، فإن الحكومة تسعى إلى رفع معدل النمو إلى 3.5% بحلول نهاية 2025، من خلال تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وزيادة الإنفاق التنموي في القطاعات الريفية.
دور الشركاء الدوليين في دعم الاقتصاد الوطني الصومالي
لعبت المنظمات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، دورًا محوريًا في دعم مساعي الحكومة الصومالية لتثبيت الاستقرار المالي. وخلال الاجتماع، جددت هذه الجهات التزامها بتمويل خطط التنمية، وربط المساعدات بالحوكمة الرشيدة، ومحاربة الفساد، وتحقيق الشفافية في إدارة الموارد.
وأشار الوزير إلى أن الاقتصاد الوطني الصومالي يمر الآن بـ”مرحلة مفصلية”، وأن أي دعم يجب أن يُوظف في مشروعات إنتاجية مستدامة، لا في مساعدات طارئة، وذلك لبناء قاعدة اقتصادية قادرة على امتصاص الصدمات.
التحديات البنيوية والفرص المتاحة
لا يمكن الحديث عن مستقبل الاقتصاد الصومالي من دون التطرق إلى أبرز التحديات التي تعوق النمو، ومنها:
1.ضعف البنية التحتية في قطاعات النقل والطاقة.
2.تدني نسب التعليم المهني.
3.تأثير تغير المناخ على الزراعة والمياه.
4.هشاشة الأمن وتأثيره على تدفق الاستثمارات الأجنبية.
لكن في المقابل، يملك الصومال فرصًا اقتصادية واعدة، من بينها:
1.قطاع الأسماك غير المستغل على السواحل الطويلة.
2.الثروات الطبيعية في الداخل الصومالي.
3.السوق الشابة التي يمكن توظيفها في الصناعات والخدمات.
4.موقعه الجغرافي الاستراتيجي كممر تجاري مهم.
توصيات وتوجهات مستقبلية
في ختام الاجتماع، أوصى الحضور بعدة خطوات لتعزيز الاقتصاد، أبرزها:
1.تعزيز النظام الضريبي وتوسيع قاعدة الدخل.
2.دعم الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية.
3.تطوير النظام المصرفي وتسهيل التمويل.
4.توفير التدريب المهني للشباب وربطهم بسوق العمل.
5.تعزيز الشفافية في الميزانية العامة.
وأكد وزير التخطيط أن الحكومة عازمة على التحول من اقتصاد الإغاثة إلى اقتصاد إنتاجي قادر على توفير فرص عمل حقيقية، وضمان الأمن الاقتصادي للمواطن الصومالي، معتمدًا على “سياسات وطنية واقعية ومرنة”، حسب وصفه.
يمثل هذا الاجتماع خطوة استراتيجية نحو إعادة تعريف شكل الاقتصاد الوطني الصومالي، ليس فقط عبر قراءة أرقام أو تحليل منحنيات، بل من خلال التفاعل المباشر بين صانعي القرار المحليين والدوليين لتجاوز التحديات وتحقيق تنمية شاملة.
فالصومال، رغم كل الأزمات، يمتلك ما يكفي من الموارد والإرادة لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي، إذا ما تم البناء على أسس شراكة عادلة واستقرار مستدام.
تعرف المزيد على: الأزمة السياسية في الصومال: المعارضة تطلق محادثات وسط تصاعد التوترات مع الحكومة