بالتزامن مع افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، نشر عشرات الباحثين والمديرين التنفيذيين في قطاع التكنولوجيا نداءً مشتركًا يدعو إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي على مستوى دولي، بهدف وضع قيود واضحة تمنع استخدامه بشكل يهدد مستقبل البشرية.
الموقعون أكدوا أن الذكاء الاصطناعي يحمل فرصًا هائلة لتحسين حياة الإنسان، لكن تجاهل مخاطره قد يفتح الباب أمام أزمات غير مسبوقة، مثل تفشي الأوبئة، انتشار المعلومات المضللة، مشكلات الأمن القومي، البطالة الجماعية، وحتى انتهاكات حقوق الإنسان.
اتفاقيات دولية شبيهة بمعاهدات الأسلحة ..

الخبراء شبّهوا الحاجة إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي بالمعاهدات الدولية التي وُقّعت في القرن الماضي للحد من الأسلحة النووية والكيميائية. وأشاروا إلى أن الاتفاقات السابقة، مثل معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (1970) وبروتوكول جنيف (1925)، أثبتت أن التعاون الدولي ممكن عندما تكون المخاطر مهددة للبشرية جمعاء.
الجهات الداعمة للنداء
المبادرة تقف وراءها مؤسسات مرموقة، منها المركز الفرنسي للأمان في الذكاء الاصطناعي، و”ذي فيوتشر سوسايتي”، ومركز الذكاء الاصطناعي المتوافق مع الإنسان بجامعة بيركلي، إضافة إلى نحو 20 منظمة شريكة.
كما وقّع على النداء أسماء بارزة في القطاع، مثل جيسون كلينتون كبير مسؤولي الأمن المعلوماتي في شركة “أنثروبيك”، وعدد من العاملين في “ديب مايند” التابعة لـ”غوغل”، و”أوبن إيه آي”، مبتكرة “تشات جي بي تي”.
رواد المجال يدقون ناقوس الخطر

من بين أبرز الموقّعين أيضًا العالم جيفري هينتون، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2024 وأحد مؤسسي الذكاء الاصطناعي الحديث، بالإضافة إلى يوشوا بينجيو، أستاذ جامعة مونتريال وأحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في تطوير الخوارزميات الذكية.
كلاهما شدد على أن تنظيم الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل ضرورة وجودية لضمان عدم انحراف هذه التقنية عن مسارها المفيد للبشرية.
الذكاء الاصطناعي العام والذكاء الخارق
يشير الخبراء إلى أن معظم الشركات الكبرى تسعى حاليًا لتطوير “الذكاء الاصطناعي العام”، أي المرحلة التي تعادل فيها الآلة قدرات العقل البشري بالكامل، وهو ما قد يمهد الطريق لاحقًا لـ”الذكاء الخارق” الذي يتجاوز قدرات البشر جميعًا.
هذا الطموح، رغم أنه مبهر علميًا، يضاعف الحاجة إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي عبر وضع “خطوط حمراء” تمنع استخدامه في مجالات قد تنقلب على الاستقرار العالمي.
ضمانات الحد الأدنى: نقطة انطلاق للتوافق الدولي

النداء ركّز على ضرورة إيجاد “ضمانات بالحد الأدنى”، أي قواعد أساسية تتفق عليها جميع الحكومات، بحيث تشكّل إطارًا مشتركًا لاحتواء أشد المخاطر إلحاحًا.
ويرى الموقّعون أن وضع قواعد موحّدة سيكون بمثابة حجر الأساس لتطوير اتفاقيات أكثر صرامة لاحقًا، تمامًا كما حدث مع الاتفاقيات الدولية السابقة.
تنظيم الذكاء الاصطناعي.. بين الحلم والكابوس
الرسالة المركزية لهذا النداء واضحة: إذا لم يتم تنظيم الذكاء الاصطناعي في الوقت المناسب، قد يتحول من أداة للرفاه والتقدم إلى مصدر تهديد عالمي شامل.
تعرف المزيد: الذكاء الاصطناعي في التجارة العالمية يغيّر قواعد اللعبة بحلول 2040
ولهذا، فإن الكرة الآن في ملعب الحكومات وصنّاع القرار الدوليين، الذين بات عليهم التحرك سريعًا قبل أن تفلت التقنية من أيدي مطوريها.
