أنهت القوات المصرية في الصومال استعداداتها النهائية للانتشار ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم استقرار أوصوم، بعد مهمة استطلاعية استمرت أسبوعًا شملت جولات ميدانية في عدد من المدن الصومالية، ولقاءات مع مسؤولين في الحكومة الفيدرالية والاتحاد الأفريقي. جاءت هذه الخطوة عقب توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة ومقديشو، تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الدور المصري في القرن الأفريقي، وتثير نقاشًا واسعًا حول أهدافها وتداعياتها الإقليمية.
مصر في القرن الأفريقي: من مياه النيل إلى شواطئ مقديشو

لا يمكن فصل إعلان القاهرة عن جاهزية قواتها في الصومال عن المشهد الأوسع لسياساتها في القارة. فبينما تخوض مصر تحديات معقدة تتعلق بملف سد النهضة، تتحرك أيضًا لتعزيز حضور القوات المصرية في الصومال. هذا الوجود يمنحها أوراق قوة إضافية على مائدة التفاوض الإقليمي، ويعزز دورها في حماية مصالحها في البحر الأحمر وخطوط الملاحة الدولية، فضلًا عن تقديم الدعم لدولة عربية شقيقة مثل الصومال.
بعثة أوصوم.. رؤية جديدة بعد أتميس

حلت بعثة أوصوم محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية “أتميس”، التي أنهت ولايتها عام 2024 بعد سنوات ركزت خلالها على العمليات القتالية ضد حركة الشباب. لكن البعثة الجديدة تحمل فلسفة مغايرة، إذ تركز على بناء مؤسسات الدولة الصومالية، وتدريب الجيش الوطني ليتولى بنفسه مسؤولية الأمن. في هذا الإطار، يضيف وجود القوات المصرية في الصومال قيمة نوعية، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضًا من خلال خبراتها الطويلة في مكافحة الإرهاب وحماية المرافق الحيوية.
بين الأمن والنفوذ الإقليمي

يطرح دخول القوات المصرية إلى الصومال تساؤلات حول طبيعة أهدافه: هل هو دعم مباشر للاستقرار، أم محاولة لتعزيز النفوذ في ساحة تشهد تنافسًا محمومًا بين قوى إقليمية ودولية؟ محللون صوماليون يرون أن الدور المصري يختلف بحكم طابعه العربي والإسلامي، وارتباطه بعلاقات تاريخية بين الشعبين، مما يمنحه بعدًا إنسانيًا وسياسيًا مختلفًا عن تدخلات أخرى.
الشارع يرحب ب القوات المصرية في الصومال .. ترحيب وحذر

الردود في الداخل الصومالي بدت متباينة. فبينما استقبل كثيرون خطوة القوات المصرية في الصومال باعتبارها دعمًا أخويًا، أعرب آخرون عن تساؤلاتهم بشأن مدة بقاء هذه القوات، ونطاق مهامها، وما إذا كانت ستكتفي بالتدريب والتأهيل أم ستشارك ميدانيًا في العمليات ضد حركة الشباب. هذا الجدل يعكس طبيعة الشارع الصومالي الذي خبر تجارب عديدة مع قوات أجنبية خلال العقود الماضية.
خبرة مصرية تنتقل إلى الصومال
ما يميز القوات المصرية في الصومال عن غيرها هو خبرتها في مكافحة الجماعات المسلحة، خصوصًا في شمال سيناء. هذه التجربة قد تُسهم في تطوير أساليب جديدة لمواجهة تكتيكات حركة الشباب القائمة على حرب العصابات والتفجيرات الانتحارية. مشاركة مصر تعني أيضًا إمكانية نقل خبرة في مجالات حيوية مثل تأمين المدن، حماية الطرق، وتطوير قدرات القوات المحلية على إدارة العمليات المعقدة.
قاعدة بليدوغلي.. نقطة ارتكاز مصرية
من المقرر أن تتركز قوات مصرية في قاعدة بليدوغلي الجوية، التي تعد من أهم مراكز العمليات ضد حركة الشباب. القاعدة ليست مجرد موقع عسكري، بل غرفة عمليات استراتيجية تُدار منها الحملات الكبرى. وجود مصر هناك يمنحها موقعًا متقدمًا في قلب المعركة، ويجعلها طرفًا مؤثرًا في صياغة الخطط الميدانية إلى جانب شركاء أفارقة ودوليين.
القوات المصرية ف الصومال عودة أوسع إلى أفريقيا
المشاركة المصرية لا تبدو خطوة عابرة، بل إشارة إلى توجه استراتيجي طويل المدى. فبموجب بروتوكول التعاون العسكري مع الصومال، يمتد الوجود المصري حتى عام 2029، ما يمنح القاهرة فرصة لترسيخ حضورها ليس فقط عسكريًا، بل أيضًا دبلوماسيًا واقتصاديًا. وبذلك، يتحول الأمن الصومالي إلى جزء من الاستراتيجية الأوسع لمصر في أفريقيا والبحر الأحمر.
تعرف المزيد: تسجيل الناخبين في الصومال يستأنف وسط بروز أحزاب سياسية جديدة في 2025
المكاسب المحتملة بين 2025 و2029
على مدى السنوات الأربع المقبلة، يُتوقع أن تنعكس مشاركة القوات المصرية في الصومال بمكاسب متبادلة. بالنسبة للصومال، سيستفيد الجيش الوطني من برامج تدريب وتأهيل، وسيحصل على دعم في حماية الانتخابات المقبلة وتقليص نفوذ حركة الشباب. أما مصر، فتسعى إلى تعزيز موقعها في القرن الأفريقي وإثبات قدرتها على لعب دور فاعل في منظومة الأمن الإقليمي. هذه المشاركة تمثل فرصة لتأكيد أن القاهرة ليست مجرد مراقب من بعيد، بل لاعب رئيسي في معادلة القارة.