عاد هجوم حركة الشباب في الصومال إلى واجهة الأخبار مجددًا، بعدما أعلنت الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن قصف غير مباشر استهدف القوات الأميركية في مطار مدينة كيسمايو جنوب البلاد. وفي حين أن القيادة الأميركية في أفريقيا أفريكوم، أكدت أن الهجوم لم ينتج عنه أي إصابات أو أضرار، وفي ذلك الوقت سعت الحركة إلى تقديم العملية كضربة نوعية مرتبطة بالصراع المستمر في غزة، في محاولتها لدمج تمردها المحلي مع معارك الشرق الأوسط.
روايتان متناقضتان.. !

بحسب بيان أفريكوم، فإن القاعدة الأميركية في كيسمايو تعرضت مساء الخميس لقصف غير مباشر لم يؤد إلى أي خسائر سواء بشرية او مادية. لكن على الجانب الآخر، أعلنت الحركة أن هجوم حركة الشباب في الصومال كان عملية مخططًا لها بعناية وأسفر عن خسائر وإصابات بين الجنود الأميركيين. ويكشف هذا التناقض مجددًا معضلة مواجهة الجماعة، التي لا تعتمد فقط على السلاح بل أيضًا على تضخيم خطابها الدعائي.
الأهمية الاستراتيجية لكيسمايو

مدينة كيسمايو ليست موقعًا عابرًا؛ فهي ميناء ومطار رئيسي يربط جنوب الصومال بالطرق البحرية في المحيط الهندي. ولذلك، فإن هجوم حركة الشباب في الصومال عند هذا الموقع يكشف سعي التنظيم لإظهار قدرته على ضرب أهداف ذات قيمة استراتيجية، حتى وإن لم تحقق العمليات نتائج ميدانية كبيرة.
تاريخ من الهجمات ضد الأميركيين

لم يكن هذا أول هجوم حركة الشباب في الصومال ضد القوات الأميركية. فالتنظيم سبق أن نفذ هجمات متكررة على قاعدة باليدوغلي، إضافة إلى هجوم ماندا باي في كينيا عام 2020 الذي أدى إلى مقتل ثلاثة أميركيين وتدمير طائرات عسكرية. هذه العمليات تؤكد أن الحركة ما تزال ترى في الوجود الأميركي هدفًا مباشرًا ضمن معركتها طويلة الأمد.
من مقديشو إلى غزة
الجديد في هجوم حركة الشباب في الصومال هذه المرة هو ارتباطه المعلن بالحرب في غزة. الحركة قدمت عمليتها على أنها رد على المجازر التي ترتكبها الولايات المتحدة وإسرائيل بحق الفلسطينيين، وهو خطاب يرفع من مستوى الصراع من كونه تمردًا محليًا إلى كونه جزءًا من معركة عالمية. هذه النقلة الخطابية تمنح الجماعة فرصة لاستقطاب متعاطفين خارج الحدود الصومالية.
المبالغة الإعلامية وتأثيرها علي الرأي العام
تعتمد حركة الشباب في كثير من الأحيان على المبالغة الإعلامية للتأثير على الرأي العام المحلي والدولي. وفي هذه الحادثة، يظهر بوضوح التباين بين بيانها الذي تحدث عن خسائر كبيرة وبين موقف أفريكوم الذي قلل من شأن هجوم حركة الشباب في الصومال. هذه الفجوة ليست جديدة، بل تكررت في معظم بيانات التنظيم خلال السنوات الماضية.
الفيديو المضلل يعيد الجدل

تزامن مع هذا الهجوم تداول واسع لفيديو قديم زعم أنه يوثق العملية. لكن التحقق الصحفي كشف أن المقطع يعود إلى هجوم شنته الحركة على قاعدة ماندا باي في كينيا مطلع عام 2020، حين قتل ثلاثة أميركيين ودمرت طائرات عسكرية. إعادة تدوير هذا المقطع لتغطية هجوم حركة الشباب في الصومال الأخير يؤكد أن الحرب الإعلامية تسير جنبًا إلى جنب مع العمليات الميدانية.
أبعاد إقليمية ودولية

الهجوم لم يكن مجرد حدث محلي؛ بل حمل رسائل مرتبطة بتطورات إقليمية كبرى، خاصة الحرب في غزة والتنافس الدولي على القرن الأفريقي. من هنا يمكن قراءة هجوم حركة الشباب في الصومال كمحاولة لربط نشاط التنظيم بالأحداث العالمية من أجل كسب تعاطف سياسي أو دعم لوجستي خارجي.
معضلة أفريكوم
تواجه القيادة الأميركية معضلة متكررة: كيف تحافظ على قواعد متقدمة داخل مناطق معادية دون منح الجماعة انتصارًا دعائيًا؟ ورغم أن هجوم حركة الشباب في الصومال لم يُسفر عن خسائر، إلا أن مجرد الإعلان عنه يمنح الحركة مادة إعلامية تستغلها في نشر دعايتها داخليًا وخارجيًا.
مستقبل المواجهة مع الحركة
تستمر الولايات المتحدة في دعم القوات الصومالية من خلال التدريب والضربات الجوية بطائرات مسيرة، بينما تواصل الحركة محاولاتها لإثبات الوجود عبر عمليات متفرقة. ومن المرجح أن نشهد تكرارًا لهجمات مشابهة، لكن السؤال الأهم هو: هل ينجح هجوم حركة الشباب في الصومال في تغيير قواعد اللعبة أم يظل مجرد دعاية عسكرية؟
تعرف المزيد: الجيش الإسرائيلي في غزة يعلن سيطرته علي 40% المدينة
يبقى هجوم حركة الشباب في الصومال الأخير رسالة سياسية أكثر منه إنجازًا عسكريًا، في وقت تسعى فيه واشنطن لتعزيز شراكتها مع مقديشو وتضييق الخناق على التنظيم. ورغم خطورة التهديد، إلا أن الرد الأميركي المتحفظ يكشف عن ثقة بقدرة القوات المشتركة على احتواء الموقف وعدم السماح للحركة بفرض أجندتها على الميدان.